هذا الحديث أن الأمر كان أجل من عثمان وعلي وممن شايعهما وقام من دونهما، وأن غير عثمان لو ولي خلافة المسلمين في تلك الظروف التي وليها لتعرض لمثل ما تعرض له من ضروب المحن والفتن، ومن اختصام الناس حوله واقتتالهم بعد ذلك فيه. ا ه.
هاهنا نجد الدكتور جاريا على ما عهد إلى نفسه تجرد عن العواطف، وجانب المبادئ الدينية، وحايد الدين الحنيف حقا، ونظر إلى القضية بالحرية المحضة، وحسبها فتنة يحق للعاقل أن يكون فيها كابن لبون لا ظهر له فيركب ولا ضرع فيحلب، ونعم الرأي هذا لولا الاسلام المقدس، لولا ما جاء به نبي العظمة، لولا ما نطق به كتاب الله العزيز، لولا ما تقتضيه فروض الانسانية والعواطف البشرية القاضية بخلاف ما ذهب إليه الدكتور، وإني لست أقضي العجب منه، ولست أدري كيف يقدس مذهب ابن أبي وقاص، أيسوغ للباحث المسلم أن يصفح في تلكم القضايا عن حكم الدين المقدس، ويشذ عما قرره نبي الاسلام، ويسحق العواطف كلها حتى ما يستدعيه الطبع الانساني والغريزة العادلة في كسح الفساد والتفاني دون صالح المجتمع العام؟
ألم يكن هنالك كتاب ناطق أو سنة محكمة أو شريعة حاكمة أو عقل سليم يبعث الملأ الديني إلى الدفاع عن كل مسلم مدت إليه يد الظلم والجور فضلا عن خليفة الوقت الواجب طاعته؟
ما الذي أحوج المتمسك بعرى الدين الحنيف إلى سيف يعقل ويبصر وينطق والله يقول: فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر؟ أو لم يكفهم إنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟ وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه.
ما الذي أذهل الدكتور عن قول الصحابي العظيم حذيفة اليماني: لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل؟ وكيف يشتبه الحكم في القضية على المسلم النابه وهي لا تخلو عن وجهين، فإن عثمان إن كان إماما عادلا قائما بالقسط عاملا بالكتاب والسنة مرضيا عند الله؟ فالخروج عليه معلوم الحكم عند جميع فرق المسلمين لا يختلف فيه اثنان، ولا تشذ فئة عن فئة، وإن لم يكن كذلك وكان كما حسبه أولئك العدول من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومرت آرائهم ومعتقداتهم فيه؟