هو في كل ذلك يعترف بالخطيئة ويلتزم بالإقلاع عنها، لكنه سرعان ما نكث التوبة وأبطل المواثيق المؤكدة بكتبه هذه، إذ حسب أن من يكتب إليهم سينفرون إليه مقانب وكتائب وهم أولياءه ومواليه، فنفى عنه المآثم التي شهد عليها أهل المدينة بل وأهل الأمصار من خيرة الأمة، وهو يريد أن يقلب عليهم ظهر المجن، فيؤاخذ وينتقم وكأنه نسي ذلك كله حتى قال: في كتابه إلى أهل مكة: لا أدعى إلى توبة أقبلها، ولا تسمع مني حجة أقولها:
يقول له المحامي عن المدنيين: أو لم تدع أيها الخليفة إلى التوبة فتبت على الأعواد وعلى رؤس الاشهاد مرة بعد أخرى؟ لكنهم وجدوك لا تقر على قرار، ولا تستمر على مبدء، وشاهدوك تتلون تلون الحرباء (1) فجزموا بأن التوبة لا تردعك عن الأحداث، وأن النزوع لا يزعك عن الخطايا، وجئت تماطل القوم بذلك كله حتى يوافيك جيوشك فتهلك الحرث والنسل، وتمكن من أهل دار الهجرة مثل يزيد بن كرز الذي يقول: لو دخلت المدينة وعثمان حي ما تركت بها محتلما إلا قتلته. الخ، عرف القوم أيها الخليفة نواياك السيئة فيهم، وعرفوا انحرافك عن الطريقة المثلى بإبعاد مروان إياك عنها كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وهو يخاطبك: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعن عقلك؟ وإن مثلك مثل الظعينة يقاد حيث يسار به (2) فنهضوا للدفع عنهم وعن بيضة الاسلام من قبل أن يقعوا بين الناب والمخلب، فوقع ما وقع وكان أمر الله قدرا مقدورا.
ولنا هاهنا مناقشة أخرى في حساب الخليفة فنقول له: ما بالك تكر رأيها الخليفة قولك عن الخلافة: إنها رداء الله الذي كساني. أو إنها قميص سربلنيه الله. أو ما يماثل ذلك؟ تطفح به كتبك أو يطفو على خطبتك، ويلوكها فمك بين كلمك، كأنك قد حفظتها كلمة ناجعة لدينك ودنياك، واتخذتها وردا لك كأنك تحاذر في تركها النسيان غير أنه عزب عنك محاسبة من تخاطبهم بها إياك، فما جواب قومك إن قالوا لك؟
متى سربلك الله بهذا القميص؟ وقد مات من سربلك، وانقلب عليك بعد قبل موته