بالقبول عذر المدافع عن الخليفة بأن قلة حديثه لقصر مدة خلافته؟ أي صلة بين قصر العمر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقلة الرواية؟ فإن رواة الأحاديث على العهد النبوي ما كان حجر عليها، ولم يكن عقال في ألسن أولئك الصحابة الأولين، ولا على الأفواه أوكية عن بث العلم من الكتاب والسنة طيلة حياة النبي الأقدس، ولم يكن المكثرون من الرواية قصروا أحاديثهم على ما بعد أيامه صلى الله عليه وآله وسلم، فقلة حديث الرجل إن هي إلا لقلة تلقيه، وقصر حفظه، إنما الإناء ينضح بما فيه والأوعية إذا طفحت فاضت.
ثم أنى يسوغ للخليفة؟ أن تثقله أعباء الخلافة، وتعييه معضلات المسائل و ويتترس بمثل قوله: أي سماء تظلني. إلخ. أو قوله: سأقول فيها برأيي. أو يخطب بعد أيام قلائل من خلافته وقد أهرجته المواقف، ويتطلب الفوز منها بقوله: لوددت أن هذا كفانيه غيري، ولئن أخذ ولئن أخذتموني بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لا أطيقها، إن كان لمعصوما من الشيطان، وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء (1).
أو بقوله: أما والله ما أنا بخيركم، ولقد كنت لمقامي هذا كارها، ولوددت أن فيكم من يكفيني، أفتظنون أني أعمل فيكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إذن لا أقوم بها إن رسول الله كان يعصم بالوحي، وكان معه ملك، وإن لي شيطانا يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني أن لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم، ألا فراعوني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني وفي لفظ ابن سعيد: ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإن رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم (2) أو بقوله: إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على الحق فأعينوني وإن رأيتموني على الباطل فسددوني (3).