في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر (1) وما إدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر (2) قالوا ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين (3) إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم (4) أو تأملت فيما هدد به المولى سبحانه المتثاقلين عن النفر للجهاد في الحر بقوله:
قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون (5) ومن يأكل أموال اليتامى بقوله: إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (6) إلى كثير من أمثال هذه لا ترتاب في أن الأمم كلها بالنسبة إليها شرع سواء، بل إن توجيه تلكم الخطابات إلى الأمة المرحومة المعنية بالتهذيب وإيقافها عن المعصية بالتهديد أولى من توجيهها إلى الأمم البائدة التي جرى عليها ما جرى من عاقبة طاعة، أو مغبة عصيان، فذهبوا رهائن أعمالهم، وبه يتم اللطف، وتحسن التربية، وهو الذي كان يبكي الصالح، ويفجع المتقين، ويدر عبرات الأولياء، ويجعل سيدهم أمير المؤمنين يتململ في جنح الليل البهيم تململ السليم قابضا على لحيته، يبكي بكاء الحزين وهو يقول: يا ربنا! يا ربنا! - يتضرع إليه - ثم يقول للدنيا: إلي تغررت؟ إلي تشوقت؟ هيهات هيهات، غري غيري قد بتتك ثلاثا، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر ووحشة الطريق (7).
ثم أي مشابهة بين ذلك اللهب المصطلم وبين الحمام الذي لا يكون الحر فيه إلا صحيا تزاح به الأوساخ، وتعرق به الأبدان وترفع به الأتعاب، وترتاح به الأجسام؟ وهل يهدد بمثله عصاة البشر الذي خلق ظلوما جهولا جموحا، البشر الذي هذا عقله ورشده وحديثه؟