فبما يوحي إلي ربي (1) إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها (2) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى (3) ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين.
فالقدر لا يستلزم جبرا وعلم المولى سبحانه بمقادير ما يختاره العباد من النجدين ويأتون به من العمل من خير أو شر لا ينافي التكليف. كما لا أثر له في اختيار المكلفين، ولا يقبح معه العقاب على المعصية، ولا يسقط معه الثواب على الطاعة.
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (5) ونضع الموازين القسط يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (6) اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم (7) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون (8).
فهل الخليفة عرف هذا المعنى من القدر، فأجاب بما أجاب؟ لكن السائل لم يفهم ما أراده فانتقده بما انتقد، غير أنه لو كان يريد ذلك لما جابه المنتقد بالسباب المقذع والتمني بأن يكون عنده من يجأ أنفه قبل بيان المراد فيفئ الرجل إلى الحق.
أو أن الخليفة لم يكن يعرف من القدر إلا ما ارتفعت به عقيرة جماهير من أشياعه من القول بخلق الأعمال؟ فيتجه إذن ما قاله المنتقد سبه الخليفة أولم يسبه.
والذي يؤثر عن ابنته عائشة هو الجنوح إلى المعنى الثاني يوم اعتذرت عن نهضتها على مولانا أمير المؤمنين، وتبرجها عن خدرها المضروب لها تبرج الجاهلية الأولى بعد أن ليمت على ذلك: بأنها كانت قدرا مقدورا وللقدر أسباب، أخرجه الخطيب البغدادي بإسناده في تاريخه 1: 160.
وإن كان يوقفنا موقف السادر ما يؤثر عنها فيما أخرجه الخطيب أيضا في تاريخه 5: 185 عن عروة قال: ما ذكرت عائشة مسيرها في وقعة الجمل قط إلا بكت حتى