وقال سعيد بن عبد الله لهشام بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين! إن أهل بيتك في مثل هذه المواطن الصالحة لم يزالوا يلعنون أبا تراب فالعنه أنت أيضا (1).
وعلى هدا الأساس من معنى الخلافة لا عسف ولا حزازة في رأي الخليفة الأول ومن حذا حذوه من صحة اختيار المفضول على الفاضل، وتقديم المتأخر على المتقدم بأعذار مفتعلة، وأوهام مختلقة، ومرجحات واهية، وسياسة وقتية، إذ الأمر الذي لا يشترط في صاحبه شئ من القداسة الروحية، والملكات الفاضلة، والخلايق الكريمة، والنفسيات الشريفة، ومعالم ومعارف، ومدارج ومراتب، ولا يؤاخذ هو بما فعل، ولا يخلع بتعطيل الأحكام، وترك إقامة، الحدود، ولا ينابذ ما دام يقيم في أمته الصلاة كما سمعت تفصيل ذلك كله لا وازع عندئذ من أن يكون أمثال أبي عبيدة الجراح حفار القبور حاملا لهذا العبء الثقيل، متحليا بأبراد الخلافة، ولا مانع من تقديم الخليفة الأول إياه أو صاحبه على نفسه في بدء الأمر، ولا حاجز من اختيار أي مستأهل لتنفيذ ما ذكر ص 138 مما يقام له الإمام ولو بمعونة سماسرته وجلاوزته ومن يهمه أمره، بل من له الشدة والفظاظة والعنف والتهور إلى أمثالها ربما يكون أولى من غيره مهما اقتضته السياسة الوقتية.
واتبع الأكثرون الخليفة في تقديم المفضول على الفاضل، قال القاضي في المواقف:
جوز الأكثرون إمامة المفضول مع وجود الفاضل، إذ لعله أصلح للإمامة من الفاضل، إذا المعتبر في ولاية كل أمر معرفة مصالحه ومفاسده، وقوة القيام بلوازمه، ورب مفضول في علمه وعمله هو بالزعامة أعرف، وشرائطها أقوم، وفصل قوم فقالوا: نصب الأفضل إن أثار فتنة لم يجب وإلا وجب. وقال الشريف الجرجاني: كما إذا فرض أن العسكر والرعاية لا ينقادون للفاضل بل للمفضول. " شرح المواقف 3. 279 " قال الأميني: إنا لا نريد بالأفضل إلا الجامع لجميع صفات الكمال التي يمكن اجتماعها في البشر لا الأفضلية في صفة دون أخرى، فيكون حينئذ الأفقه مثلا هو الأبصر بشؤون السياسة، والأعرف بمصالح الأمور ومفاسدها، والأثبت في إدارة الصالح العام، والأبسل في مواقف الحروب، والأقضى في المحاكمات، والأخشن في ذات الله، والأرأف بضعفاء