نص المقال في ظلال الغدير ليس في هذا العنوان أثر لروح شاعرية، أو جنوح إلى عاطفة من عواطف الخيال المقتنص، أو ميل إلى شوارد التعبير عما بجول في الخاطر الكليل...
وإنما هي حقيقة ناصعة الوجه واليد واللسان حين نقرر أن القارئ " للغدير " يفيئ منه إلى ظل ظليل، ويلتمس عنده من راحة الاطمئنان، وحلاوة القرار، ورضي الثقة ما يجده المرء حين يأوي إلى الواحة المخضرة بعد وعثاء السفر، في بيداء واسعة المتاهات، فيجد في ظلالها انس الاستقرار، وسلامة المقام، ودعة المصير.
ولن أكون في هذه الكلمة جانحا إلى خيال، أو ملحقا في جواء من التصور الحالم، أو الوهم الهائم.. ولكنني سأجتاز هذا " الغدير " عابرا، مفكرا، مقلبا النظر في صفحاته الرجراجة بكل فكرة، المتموجة بكل مبحث، مستخرجا من أصفى لآلئه، وأكرم عناصره ما يعينني عليه تقليب النظر في شطآنه، وإطالة الفكر بين دفتيه، وكثرة الوقوف على مباحثه كما يقف العربي على الديار التي لم يبلها القدم...
ولقد بلغ الجزء الأول من " الغدير " ما حسبت معه أن الجهد قد أوفى فيه على الغاية، واستشرف على نشز الكمال في صفحاته التي تساوي أيام السنة الهجرية عدا...
وقد كان بحسب العلامة المكب الدؤوب الجليل الأستاذ " عبد الحسين الأميني " أن يرضى منه بحث " حديث الغدير " بجزء واحد أو بجزئين أو ثلاثة يستوفي فيها الكلام عن رواة " حديث الغدير " من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وطبقات الرواة من العلماء إلى عصرنا هذا، والاحتجاج بالحديث، وتحقيق سنده وروايته، ودلالته على تأكيد الولاية للإمام علي كرم الله وجهه، سواء كان ذلك المفهوم مشتقا من حرفية الحديث، أو مستفادا من القرآن الملابسة للحديث حين نطق به الرسول الكريم