وليس العبرة في طوال التراجم واتساع صفحاتها.. ولكن العبرة في هذا الصبر العجيب الذي تابع به المؤلف حياة الشعراء الذين يترجم لهم، فقد رجع علامتنا الجليل حين كتب عن " ابن الرومي " إلى عشرات من الكتب في القديم والحديث، وجمع أخباره ونوادره من مصادر لم يطلع عليها الأكثرون، ولم يكد يفوته كتاب واحد ذكر فيه " ابن الرومي " بخير أو شر... حتى مجلة الهدى العراقية، و كتاب الأستاذ عباس محمود العقاد.
وعلى ذكر المراجع والمصادر نود أن نسجل للحق أن مؤلف " الغدير " الجليل قد أحاط منها بما لا يحيط به إلا من رزقه الله قدرة وصبرا وحسن وقوع على الموارد، فهو حين يترجم مثلا لأبي تمام الشاعر في الجزء الثاني من " الغدير " يذكر أسماء الأعلام الذين شرحوا ديوان الحماسة، فيبلغون سبعة وعشرين... يبد أون بأبي عبد الله محمد بن القاسم، وينتهون بالمرحوم الشيخ سيد بن علي المرصفي من رجال الأدب في زماننا هذا، وهو حين يذكر المؤلفين من أخبار أبي تمام وترجمته يعد عشرات يبدأون بأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر من رجال القرن الثالث الهجري، ويبلغ في زماننا هذا الدكتور عمر فروخ من كتاب عصرنا الحديث.
هذا هو " الغدير " في نظرة عاجلة، أعجلني بها من أمر الزمان وشعل الحدثان ما كنت أود أن تطول معه الوقفة وتعمق النظرة، ولكن علامتنا الكبير الأستاذ " عبد الحسين أحمد الأميني " حري إن يغفر لصديقه السني المصري ما لم يسعفه به زمانه.
واسأل الله أن يجعل من هذا الغدير الصافي صفاء لما بين أهل السنة والشيعة من اخوة إسلامية، يتجهون بها في كتلة واحدة وبناء مرصوص، إلى الحياة الحرة الكريمة التي يعتز بها الإسلام، ويعلو له بها في العالم مقام.
والله يوفق استاذنا العلامة الجليل.
محمد عبد الغني حسن