ما يسرده التاريخ! أو التطبيق بينهما إن جاءا متفقين في بيان الحقيقة.
والمفسر لا منتدح له من التوغل في التاريخ عندما يقف على آيات كريمة توعز إلى قصص الماضين وأحوالهم، لضرب من الحكمة، ونوع من العظة، وعلى آيات أخرى نزلت في شؤون خاصة، يفصلها التاريخ تفصيلا، والباحث إذا دقق النظرة في أي علم يجد أن له مسيسا بالتاريخ لا يتم لصاحبه غايته المتوخاة إلا به.
فالتاريخ إذا ضالة العالم، وطلبة المتفنن، وبغية الباحث، وأمنية أهل الدين ومقصد الساسة، وغرض الأديب، والقول الفصل: إنه مأرب المجتمع البشري أجمع وهو التاريخ الصحيح الذي لم يقصد به إلا ضبط الحقايق على ما هي عليه، فلم تعبث به أغراض مستهدفة، ولم يعث فيه نزعات أهوائية ككثير مما ألف من زبر التاريخ التي روعي في جملة منها جلب مرضاة القادة والأمراء، أو تدعيم مبدأ، أو فكر مفكر، أو أريد به التحليق بأشخاص معلومين إلى أوج العظمة، والاسفاف بآخرين إلى هوة الضعة، لمغاز هنالك تختلف باختلاف الظروف والأحوال، أو اختلط فيه الحابل بالنابل، بتوسع المؤلفين لما حسبوه من أن الإحاطة بكل ما قيل توسع في العلم، وإحسان في السمعة، ذهولا منهم عن أن مقادير الرجال بالدراية لا بالرواية (1) فأدخلوا في التاريخ هفوات لا تحصى، غير شاعرين بأن رواة تلك السفاسف زبائن عصبة، وحناق على عصبة، أو أنهم قصاصون غير مكترثين من الاكثار في النقل الخرافي أو الافتعال، إكبارا للسمعة، أو نزولا على حكم النهمة، فتلقتها عنهم السذج في العصور المتأخرة كحقايق راهنة، وتنبه لها المنقب فوجدها أحاديث خرافية فرفضها، غير مبال بالطعن على التاريخ، فلا شعر أولئك أنها وليدة تقاليد أو مطامع، ولا عرف هذا أن الآفة عن ورطات القالة، وسوء صنيع