آثار ثابتة. وهكذا يمضى في هذا الفصل حتى يستوفي كلمات الحفاظ حول سند الغدير.
وعلى الرغم من مقاربة الإجماع على صحة حديث الغدير، فقد نظر إليه بعض رجال المسلمين نظرة تخالف منعقد الإجماع... وهنا يظهر صاحب كتاب " الغدير " في مظهر المحب الغاضب... الغاضب على مخالفيه، فيوقفهم موقف المقاضاة، وينزلهم منزل المحاكمة، بل يعقد فصلا عنيفا عن " ابن حزم " الأندلسي الذي فتح الباب واسعا حول الشك في صحة الحديث.
ولو أن كتاب " الغدير " كان احتجاجا لحديث غدير خم، وتأييدا لصحته، وتبيانا لرواته وطرق روايته على مر العصور، وإثباتا لما يستفاد منه من معنى الولاية للإمام " علي " لكان بذلك كافيا، ولكن العلامة الأستاذ " عبد الحسين أحمد " أراد أن يجعل من " الغدير " بحرا متلاطم الأمواج، جياش العباب... وشاء أن يجعل منه موسوعة كبيرة تدور حول الكلمات الطاهرة التي نطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم للإمام علي كرم الله وجهه، فأثبت الشعراء الذين ذكروا الغدير في قصدهم، وعطروا بذكره أنفاس أشعارهم، وصاحبهم المؤلف الدؤوب في موكب رائع الجلال من عهد النبي صلوات الله إلى القرون الإسلامية قرنا فقرنا، فهو يذكر في كل قرن شعراء الغدير فيه ويذكر غديرياتهم، ولا يكتفي بذلك كله، بل يترجم لهؤلاء الشعراء تراجم لا يستغني عنها مؤرخ أو باحث أو أديب: ثم لا يكتفي بذلك، بل يذكر المصادر الكثيرة الموزعة لهؤلاء الشعراء، فيقع القارئ من هذه المصادر على ذخيرة من المعرفة بالكتب قل أن تتاح لباحث من باحثي زماننا هذا.
ولست هنا مبالغا في تقدير هذه التراجم، فترجمة الشاعر " الكميت " مثلا من شعراء الغدير في القرن الثاني قد بلغت ثلاثين صفحة من الجزء الثاني، حتى كادت تصلح أن تكون في ذاتها كتابا قائما بدراسة " الكميت " وترجمة " السيد الحميري " الشاعر قد بلغت من الجزء الثاني ستين صفحة، وهي ترجمة تلم بأطراف الشاعر و تضعه في الإطار الذي يحصه بين شعراء عصره. وترجمة " ابن الرومي " في الجزء الثالث من " الغدير " تبلغ 26 صفحة. وقس على هذا بقية مواكب الشعراء.