قال: فخجلت ورجعت حتى خرجت من الدار وقد نبل في عيني، ثم رجعت إليه وسلمت عليه، وقلت: يا ابن رسول الله، الغريب إذا دخل بلدة أين يحدث، فقال صلوات الله عليه: يتوقى شطوط البلد (1)، ومشارع الماء، وفئ النزال، ومسقط الثمار، وأفنية الدور، وجاد الطرق، ومجاري المياه ورواكدها، ثم يحدث أين شاء، قال: قلت: يا ابن رسول الله ممن المعصية، فنظر إلي وقال: إما أن تكون من الله أو من العبد أو منهما معا، فإن كانت من الله فهو أكرم أن يؤاخذه بما لم يجنه، وإن كانت منهما فهو أعدل من أن يأخذ العبد بما هو شريك فيه، فلم يبق إلا أن يكون من العبد، فإن عفا فبفضله، وإن عاقب فبعد له.
قال أبو حنيفة: فاغرورقت عيناي وقرأت: * (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) * (2) (3).
وروى الصدوق وغيره عن هشام بن الحكم [قالا]: إن جاثليقا من جثالقة النصارى، يقال له: بريهة، قد مكث في (4) النصرانية سبعين سنة، فكان يطلب الإسلام ويطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه، ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته، قال: وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس، حتى افتخرت به النصارى، وقالت: لو لم يكن في دين النصرانية الا بريهة لأجزأنا، وكان طالبا للحق والإسلام مع ذلك وكانت معه امرأة تخدمه طال مكثها معه، وكان يستر (5) ضعف النصرانية وضعف حجتها، قال: فعرفت ذلك منه.
فضرب بريهة الأمر ظهرا لبطن وأقبل يسائل (6) [فرق المسلمين والمختلفين في الإسلام من أعلمكم؟ وأقبل يسأل] (7) عن أئمة المسلمين وعن صلحائهم وعن علمائهم وأهل الحجى منهم، وكان يستقرئ فرقة لا يجد عند القوم