الفاسق حتى قرع الباب قرعا خفيفا، فقالت العجوز: من هذا؟ قال: أنا فلان، قالت:
ما الذي أطرقك هذه الساعة وليس هذا لك بوقت؟ قال: ويحك افتحي الباب قبل أن يطير عقلي، وتنشق مرارتي في جوفي، جهد البلاء قد نزل بي، قالت: ويحك ما الذي نزل بك؟ قال: هرب غلامان صغيران من عسكر عبيد الله بن زياد، فنادى الأمير في معسكره: من جاء برأس واحد منهما فله ألف درهم، ومن جاء برأسهما فله ألفا درهم، فقد أتعبت وتعبت ولم يصل في يدي شئ.
فقالت العجوز: يا ختني احذر أن يكون محمد صلى الله عليه وآله خصمك في القيامة، قال لها: ويحك إن الدنيا محرص عليها، فقالت: وما تصنع بالدنيا وليس معها آخرة؟ قال:
إني لأراك تحامين عنهما، كأن عندك من طلب الأمير شئ، فقومي فإن الأمير يدعوك، قالت: وما يصنع الأمير بي، وإنما أنا عجوز في هذه البرية، قال: إنما لي الطلب، افتحي لي الباب حتى أريح وأستريح، فإذا أصبحت فكرت 1 في أي الطريق آخذ في طلبهما، ففتحت له الباب وأتته بطعام وشراب، فأكل وشرب.
فلما كان في بعض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف البيت، فأقبل يهيج كما يهيج البعير الهائج، ويخور كما يخور الثور، ويلمس بكفه جدار البيت حتى وقعت يده على جنب الغلام الصغير، فقال له: من هذا؟ قال: أما أنا فصاحب المنزل، فمن أنتما؟ فأقبل الصغير يحرك الكبير ويقول: قم يا حبيبي فقد والله وقعنا فيما كنا نحاذره.
قال لهما: من أنتما؟ قالا له: يا شيخ إن نحن صدقناك فلنا الأمان؟ قال: نعم، قالا: أمان الله وأمان رسوله، وذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم، قالا: ومحمد ابن عبد الله على ذلك من الشاهدين؟ قال: نعم، قالا: والله على ما نقول وكيل وشهيد؟ قال: نعم، قالا له: يا شيخ فنحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه وآله هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل، فقال لهما: من الموت هربتما وإلى الموت وقعتما، الحمد لله .