- إذا لم يقع منه هذا الفعل - أن يكون حانثا أو كاذبا لأنه إن لم يقع، علمنا أنه لم يلطف له فيه، لأنه لا لطف له فيه.
وليس لاحد أن يعترض هذا بأن يقول: الطاعات لابد فيها من لطف وذلك لان فيها ما لا لطف فيه جملة، فارتفاع ما هذه سبيله يكشف عن أنه لا لطف فيه وهذا الوجه لا يصح أن يقال في الآية أنه لا يخص الطاعات، والآية تتناول كل ما لم يكن قبيحا، بدلالة إجماع المسلمين على حسن الاستثناء وما تضمنته في كل فعل ما لم يكن قبيحا.
وقد يدخل الاستثناء في الكلام ويراد به التسهيل والاقدار والتخلية والبقاء على ما هو عليه من الأحوال، وهذا هو المراد به إذا دخل في المباحات، وهذا الوجه يمكن في الآية إلا أنه يعترضه ما ذكره أبو علي الجبائي فيما حكيناه من كلامه، وقد يذكر استثناء المشية أيضا في الكلام وإن لم يرد به شئ مما تقدم بل يكون الغرض به إظهار الانقطاع إلى الله تعالى من غير أن يقصد إلى شئ من الوجوه المتقدمة، وقد يكون هذا الاستثناء غير معتد به في كونه كاذبا أو صادقا، فالآية في الحكم كأنه قال: لأفعلن كذا إن وصلت إلى مرادي مع انقطاعي إلى الله تعالى وإظهاري الحاجة إليه، وهذا الوجه أيضا مما يمكن في تأويل الآية، ومن تأمل جملة ما ذكرناه من الكلام عرف منه الجواب عن المسألة التي لا يزال يسأل عنها المخالفون من قولهم: " لو كان الله تعالى إنما يريد العبادات من الافعال دون المعاصي، لوجب إذا قال من لغيره عليه دين طالبه به: والله لأعطينك حقك غدا إن شاء الله. أن يكون كاذبا أو حانثا إذا لم يفعل، لان الله تعالى قد شاء ذلك منه عندكم، وإن كان لم يقع، فكان يجب أن تلزمه الكفارة وأن لا يؤثر هذا الاستثناء في يمينه، ولا يخرجه عن كونه حانثا كما أنه لو قال:
" والله لأعطينك حقك غدا إن قدم زيد " فقدم ولم يعطه يكون حانثا، وفي إلزام هذا الحنث خروج عن إجماع المسلمين فصار ما أوردناه جامعا لبيان تأويل الآية والجواب عن هذه المسألة ونظائرها من المسائل، والحمد لله وحده (1).