المعاني أيضا عجيب وعن السدي أنه تعالى يرسل الرياح فيأتي بالسحاب، ثم إنه تعالى يبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك، ورحمته هو المطر.
إذا عرفت هذا فنقول: اختلاف الرياح في الصفات المذكورة مع أن طبيعة الهواء واحدة وتأثيرات الطبائع والأنجم والأفلاك واحدة تدل على أن هذه الأحوال لم تحصل إلا بتدبير الفاعل المختار سبحانه وتعالى. ثم قال تعالى " سقناه لبلد ميت " والمعنى أنا نسوق ذلك السحاب إلى بلد ميت لم ينزل فيه غيث ولا تنبت فيه خضرة، والسحاب لفظه مذكر، وهو جمع " سحابة " فيجوز فيه التذكير والتأنيث، فلذا أتى بهما في الآية، واللام في قوله " لبلد " إما بمعنى إلى، أو المعنى سقناه لأجل بلد ميت ليس فيه حب نسقيه، والضمير في قوله " به " إما راجع إلى البلد، أو إلى السحاب، وفي قوله " أخرجنا به " عائد إلى الماء، وقيل: إلى البلد وعلى القول الأول فالله تعالى إنما يخلق الثمرات بواسطة الماء.
وقال أكثر المتكلمين: إن الثمار غير متولدة من الماء، بل الله تعالى أجرى عادته بخلق النبات ابتداء عقيب اختلاط الماء بالتراب. وقال جمهور الحكماء: لا يمتنع أن يقال: إنه تعالى أودع في الماء قوة وطبيعة، ثم إن تلك القوة والطبيعة توجبان حدوث الأحوال المخصوصة. والمتكلمون احتجوا على فساد هذا القول بأن طبيعة الماء والتراب واحدة، ثم إنا نرى أنه يتولد في النبات الواحد الأحوال المختلفة مثل العنب، فإن قشره بارد يابس، ولحمه وماؤه حار رطب، وعجمه بارد يابس، فتولد الأجسام الموصوفة بالصفات المختلفة من الماء والتراب يدل على أنها إنما حدثت بإحداث الفاعل المختار لا بالطبع والخاصية (1) (انتهى).
" خوفا وطمعا " قال الزمخشري: في انتصابهما وجوه: الأول أنه لا يصح أن يكونا مفعولا لهما، لأنهما ليسا بفاعل الفعل المعلل به إلا على تقدير حذف المضاف، أي إرادة خوف وطمع، أو على معنى: إخافة واطماعا الثاني يجوز أن