فيه من تكلف الاغتراف بخلاف الهواء، فإن الآلات المهيأة لجذبه حاضرة أبدا ثم بعد الماء الحاجة إلى الطعام شديدة لكن دون الحاجة إلى الماء، فلا جرم كان تحصيل الطعام أصعب من تحصيل الماء، وبعد الطعام الحاجة إلى تحصيل المعاجين والأدوية النادرة قليلة، فلا جرم عزت هذه الأشياء، وبعد المعاجين الحاجة إلى أنواع الجواهر من اليواقيت والزبرجد نادرة جدا، ولا جرم كانت في نهاية العزة فثبت أن كلما كان الاحتياج إليه أشد كان وجدانه أسهل، وكلما كان الاحتياج إليه أقل كان وجدانه أصعب، وما ذلك إلا رحمة منه على العباد، ولما كانت الحاجة إلى رحمة الله أعظم الحاجات نرجو أن يكون وجدانها أسهل من وجدان كل شئ.
وثانيها لولا تحرك الهواء لما جرت الفلك، وهذا مما لا يقدر عليه [أحد] إلا الله تعالى، فلو أراد كل [من في] العالم أن يقلب الريح من الشمال إلى الجنوب إذا كان الهواء ساكنا أن يحركه لتعذر.
" والسحاب المسخر بين السماء والأرض " سمي السحاب سحابا لانسحابه في الهواء، ومعنى التسخير التذليل، وإنما سماه مسخرا لوجوه: أحدها أن طبع الماء يقتضي النزول، فكان بقاؤه في جو الهواء على خلاف الطبع، فلا بد من قاهر يقسره على ذلك، ولذلك سماه بالمسخر. الثاني أن هذا السحاب لو دام لعظم ضرره من حيث إنه يستر ضوء الشمس ويكثر الأمطار، ولو انقطع لعظم ضرره لأنه يفضي إلى القحط وعدم العشب. الثالث أن السحاب لا يقف في موضع معين بل يسوقه الله تعالى بواسطة تحريك الرياح إلى حيث أراد وشاء، وذلك هو التسخير (1) (انتهى).
" لآيات لقوم يعقلون " قال البيضاوي: يتفكرون فيها وينظرون إليها بعيون عقولهم، والكلام المجمل في دلالة هذه الآيات على وجود الاله ووحدته أنها أمور ممكنة وجد كل منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة وأنحاء مختلفة. إذ كان من الجائز مثلا أن لا تتحرك السماوات أو بعضها كالأرض، وأن تتحرك بعكس حركتها