بعض الشرائط لكن لو تهيأت لنا تقدمة المعرفة بطبيعة ذلك التشكل وبوقت حدوثه وبطبيعة الأمور المعتبرة في كون المادة السفلية قابلة لذلك الأثر لكان يمكننا تهيئة المادة لقبول ذلك الأثر وإماطة الموانع عنها، وتحصيل المعدات لها، حتى يتم ذلك الفيضان، ويسري في القابليات، لما تقرر أن الفاعل التام متى لقي المنفعل التام ظهر الفعل التام لا محالة، فإذا عرفت هذا فالساحر هو الذي يعرف القوى العالية الفعالة بسائطها ومركباتها، ويعرف ما يليق بكل واحد من العوالم السفلية، ويعرف المعدات ليعدها، والعوائق لينحيها، معرفة بحسب الطاقة البشرية، فحينئذ يكون الانسان متمكنا من استجذاب ما يخرق العادة، ومن دفع ما يدافعها، بتقريب المنفعل من الفاعل، وهذا معنى قول بطلميوس " علم النجوم منك ومنها " فهذا هو الإشارة إلى خلاصة قول الفلاسفة الصابئة في حقيقة السحر وماهيته.
الفريق الثالث: الذين أثبتوا لهذه الأفلاك والكواكب فاعلا مختارا خلقها وأوجدها بعد العدم، إلا أنهم قالوا: إنه سبحانه أعطاه قوة عالية نافذة في هذا العالم، وفوض تدبير هذا العالم إليهم. قالوا: الدليل على كون هذه الاجرام الفلكية أحياء وجهان: الأول أنه لا شك أن الحياة أشرف من الجمادية فكيف يحسن في الحكمة خلق الحياة في الأجسام الخسيسة نحو أبدان الديدان والخنافس، وإخلاء هذه الاجرام الشريفة النورانية الروحانية عن الحياة. الثاني أن هذه الأفلاك متحركة بالاستدارة، فحركتها إما أن تكون طبيعية، أو قسرية أو إرادية، لا جائز أن تكون طبيعية، لأن المهروب عنه بالطبع لا يكون بعينه مطلوبا بالطبع، وكل نقطة فرضنا الفلك متحركا عنه فإن حركته عنها هي عين حركته إليها فيستحيل كون تلك الحركة طبيعية، ولا جائز أن تكون قسرية لأن القسر هو الذي يكون على خلاف الطبيعة، فإذ قد بطلت الطبيعية، وجب بطلان كونها قسرية، ولما بطل القسمان ثبت كونها إرادية، فثبت أن الأفلاك والكواكب أجرام حية عاقلة. قالوا: إذا ثبت هذا فنقول: الوقوف على جميع