الكفر والسحر، وقد تقدم ذكر السحر وتقدم أيضا ذكر ما يدل على الكفر ويقتضيه في قوله تعالى " ولكن الشياطين كفروا " فدل " كفروا " على الكفر والعطف عليه مع السحر جائز، وإن كان التصريح وقع بذكر السحر دونه، و مثل ذلك قوله تعالى " سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى " (1) أي يتجنب الذكرى الأشقى، ولم يتقدم تصريح بالذكرى لكن دل عليها قوله " سيذكر " ويجوز أيضا أن يكون معنى " فيتعلمون منهما " أي بدلا مما علمهم الملكان، ويكون المعنى أنهم يعدلون عما علمهم ووقفهم عليه الملكان من النهي عن السحر إلى تعلمه واستعماله، كما يقول القائل: ليت لنا من كذا وكذا [كذا] أي بدلا منه، كما قال الشاعر:
جمعت من الخيرات وطبا وعلبة * وصرا لأخلاف المزممة البزل ومن كل أخلاق الكرام تميمة * وسعيا على الجار المجاور بالبخل يريد: جمعت مكان الخيرات ومكان أخلاق الكرام هذه الخصال الذميمة. و قوله تعالى " ما يفرقون به بين المرء وزوجه " فيه وجهان: أحدهما أن يكونوا يغوون أحد الزوجين ويحملونه على الشرك بالله تعالى، فيكون بذلك قد فارق زوجه الآخر المؤمن المقيم على دينه، ليفرق بينهما اختلاف النحلة والملة، والوجه الآخر أن يسعوا بين الزوجين بالنميمة والوشاية والاغراء والتمويه بالباطل حتى يؤول أمرهما إلى الفرقة والمباينة.
وثالث الوجوه في الآية أن تحمل " ما " في قوله تعالى " وما أنزل على الملكين " على الجحد والنفي، فكأنه تعالى قال: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر [سليمان] وما أنزل الله السحر على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت. ويكون قوله تعالى " ببابل هاروت وماروت " من المؤخر الذي معناه التقديم، فيكون على هذا التأويل هاروت وماروت رجلين من جملة هذان أسماهما، وإنما ذكرا بعد ذكر الناس تمييزا