والحياة واللون والطعم، واحتجوا بوجوه ذكرها القاضي ولخصها في تفسيره وفي سائر كتبه، ونحن ننقل تلك الوجوه وننظر فيها:
أولها: وهو النكتة العقلية التي عليها يقولون (1) أن كل ما سوى الله إما متحيز أو قائم بالمتحيز، فلو كان غير الله فاعلا للجسم والحياة لكان ذلك الغير متحيزا وذلك المتحيز لابد وأن يكون قادرا بالقدرة، إذ لو كان قادرا لذاته لكان كل جسم كذلك - بناء على أن الأجسام متماثلة - لكن القادر بالقدرة لا يصح منه فعل الجسم والحياة. ويدل عليه وجهان: الأول أن العلم الضروري حاصل بأن الواحد منا لا يقدر على خلق الجسم والحياة ابتداء، فقدرتنا مشتركة في امتناع ذلك عليها فهذا الامتناع حكم مشترك فلا بد له من علة مشتركة، ولا مشترك ههنا إلا كوننا قادرين بالقدرة، وإذا ثبت هذا وجب في من كان قادرا بالقدرة أن يتعذر عليه فعل الجسم والحياة الثاني: أن هذه القدرة التي لنا لا شك أن بعضها يخالف بعضا، فلو قدرنا قدرة صالحة لخلق الجسم والحياة لم يكن مخالفتها لهذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدرة للبعض فلو كفى ذلك القدر من المخالفة في صلاحيتها لخلق الجسم (2) لوجب في هذه القدرة التي يخالف بعضها بعضا أن تكون صالحة لخلق الجسم والحياة ولما لم يكن كذلك علمنا أن القادر بالقدرة لا يقدر على خلق الجسم والحياة.
وثانيها: أنا لو جوزنا ذلك لتعذر الاستدلال بالمعجزات على النبوات (3) لأنا لما جوزنا استحداث الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية لم يمكننا القطع بأن هذه الخوارق التي ظهرت على أيدي الامناء (4) صدرت عن الله تعالى، بل يجوز فيها أنهم أتوا بها من طريق السحر، وحينئذ يبطل القول بالنبوات من كل الوجوه.