بعث الله تعالى إبراهيم مبطلا لمقالتهم، ورادا عليهم في مذاهبهم.
وهؤلاء فرق ثلاث: الفريق الأول هم الذين زعموا أن هذه الأفلاك والكواكب واجبة الوجود في ذواتها، وأنه لا حاجة بهذية ذواتها وصفاتها إلى موجب ومدبر وخالق وعلة البتة. ثم إنها هي المدبرة لعالم الكون والفساد، وهؤلاء هم الصابئة الدهرية. والفريق الثاني الذين قالوا: الجسم يستحيل أن يكون واجبا لذاته، لان كل جسم مركب، وكل مركب فإنه مفتقر إلى كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه غيره، فكل جسم فهو مفتقر إلى غيره، فهو ممكن لذاته [وكل ممكن لذاته فهو مؤثر] فله مؤثر، وهذه الاجرام الفلكية و الكوكبية لابد لها من مؤثر. ثم قالوا: ذلك المؤثر إما أن يكون حادثا أو قديما، فإن كان حادثا افتقر إلى مؤثر آخر ولزم التسلسل وهو محال، وإن كان قديما فإما أن يكون كل ما لابد منه في مؤثريته حاصلا في الأزل أوليس كذلك، ويدخل في هذا التقسيم قول من يقول إنه إنما خلق العالم في الحيز الذي خلقه فيه، لان خلقه في ذلك الحيز أصلح من خلقه في حيز آخر، أو لان خلقه كان موقوفا على انقضاء الأزل، أو لان خلقه كان موقوفا على حضور وقت معين إما مقدر أو محقق. فإن قلنا إن كل ما لابد منه في مؤثريته كان حاصلا في الأزل لزم أن يكون الأثر واجب الترتب عليه في الأزل، لان الأزل لو لم يكن واجب الترتب عليه فهو إما ممتنع الترتب عليه، فهو ليس بمؤثر البتة وقد فرضناه مؤثرا، هذا خلف، وإن كان ممكن الترتب عليه وممكن اللا ترتب عليه أيضا، فلنفرض تارة مصدرا للأثر بالفعل وأخرى غير مصدر له بالفعل، فامتياز الحيز الذي صار المؤثر فيه مصدرا للأثر بالفعل عن الحيز الذي لم يصر فيه كذلك إما أن يتوقف على انضمام قيد إليه أو لم يتوقف، فإن توقف لم يكن الحاصل قبل انضمام هذا القيد إليه كل ما لابد منه في المؤثرية وقد فرضناه كذلك، و هذا خلف، وإن لم يتوقف فقد ترجح الممكن من غير مرجح البتة، وتجويزه يسد باب الاستدلال بالممكن على وجود الصانع. وأما إن قلنا بأن كل ما لا بد