منه في المؤثرية ما كان حاصلا في الأزل، فإن استمر ذلك السلب وجب أن لا يصير البتة مؤثرا. لكنا [قد] فرضناه مؤثرا في الأزل، هذا خلف، وإن تغير فقد حدث بعض ما لا بد منه في المؤثرية، فإن كان حدوثه لا لامر فقد وقع الممكن لا عن مؤثر، وهو محال، وإن كان حدوثه لامر لم يكن الشئ الذي فرضناه حادثا أولا كذلك، لأنه حصل قبله حادث آخر وكنا فرضناه حادثا أولا، وهذا خلف. وأيضا فإنا ننقل الكلام إليه، ويلزم التسلسل وهو محال.
قالوا: وهذا يقتضي استناد الممكنات إلى مؤثر تام المؤثرية في الأزل، و متى كان كذلك وجب كون الآثار أزلية دائمة، فهذا يقتضي أن لا يحصل في العالم شئ من التغيرات البتة، لكن التغيرات مشاهدة قطعا، فلا بد من حيلة، فنقول ذلك المؤثر القديم الواجب لذاته، إلا أن كل حادث مسبوق بحادث آخر حتى يكون انقضاء المتقدم شرطا لحصول المتأخر عن ذلك المبدأ القديم وعلى هذا الطريق يصير المبدأ القديم مبدأ للحوادث المتغيرة، فإذن لا بد من توسط حركة دائمة يكون كل جزء منها مسبوقا بالآخر لا إلى أول، وهذه الحركة يمتنع أن تكون مستقيمة، وإلا لزم القول بأبعاد غير متناهية، وهو محال، فلا بد من جرم متحرك بالاستدارة وهو الفلك، فثبت أن حركات الأفلاك كالمبادئ القريبة للحوادث الحادثة في هذا العالم، والمدبرات الملاصقة بها، فلا جرم قالوا بإلهيتها، واشتغلوا بعبادتها وتعظيمها، واتخذوا لكل واحد منها هيكلا مخصوصا وصنما معينا فاشتغلوا بخدمتها، فهذا هو دين عبدة الأصنام والأوثان. ثم إن هؤلاء قالوا: إن المبدأ الفاعلي لا يكفي وجوده في حصول الفعل، بل لا بد من حضور المبدأ القابلي المنفعلي، ولا يكفي حضوره أيضا ما لم تكن الشرائط حاصلة والموانع زائلة، وربما حدث أمر مشكل غريب في العالم الأعلى يصلح لإفادة هيئة غريبة في مادة العالم الأسفل، فإذا لم تكن المادة السفلية متهيئة لقبول تلك الهيئة من الاشكال العلوية لم تحدث تلك الهيئة، ثم إن فوات تلك التهيؤ تارة تكون لأجل كون المادة ممنوة بالمعوقات المانعة عن قبول ذلك الأثر، وتارة لأجل فوات