فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطدات بلا عمد، قائمات بلا سند، دعاهن فأجبن طائعات مذعنات، غير متلكئات ولا مبطئات، ولولا إقرارهن له بالربوبية، وإذعانهن بالطواعية لما جعلهن موضعا لعرشه، ولا مسكنا لملائكته، ولا مصعدا للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه، جعل نجومها أعلاما يستدل بها الحيران، في مختلف فجاج الأقطار، لم يمنع ضوء نورها ادلهمام سجف الليل المظلم، ولا استطاعت جلابيب سواد الحنادس أن ترد ما شاع في السماوات من تلألؤ نور القمر (1) (إلى آخر الخطبة).
توضيح: المراد بشواهد الخلق آيات الابداع وعلامات التدبير المحكم، أو ما يشهد من الخلق بوجوده سبحانه وتدبيره وعلمه، أو ما حضر من خلقه أي ظهر وجوده بحيث لا يمكن لاحد إنكاره من علامات التدبير. ووطدت كوعدت أطدها طدة ووطدتها توطيدا: إذا أثبتها بالوطئ أو غيره حتى تتصلب، وتوطيد السماوات إحكام خلقها وإقامتها في مقامها على وفق الحكمة. والعمد بالتحريك: جمع عماد بالكسر وهو ما يسند به، أو جمع عمود. والسند بالتحريك: ما استندت إليه واتكأت من حائط وغيره، والطائع: المنقاد السلس. وأذغن أي انقاد ولم يستعص وتلكأ: أي توقف واعتل. والطواعية كثمانية: الطاعة، ولعل المراد بالملائكة المقربون أو الأكثر، لان منهم من يسكن الهواء والأرض والماء، وصعود الكلم الطيب والعمل الصالح صعود الكتبة بصحائف أعمال العباد إلى السماوات، وفيه إشارة إلى قوله سبحانه (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه (2)) وإجابتهن إشارة إلى قوله تعالى (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين (3)) وقد مر الكلام في تأويل الآية، وقيل: هنا إقرارهن بالربوبية له راجع إلى شهادة حال الممكن للحاجة إلى الرب والانقياد لحكم