بينت ولخصت لك آنفا، وهل يخفى على ذي لب أن هذا تقدير مقدر وصواب وحكمة من مقدر حكيم؟ فإن قال قائل: إن هذا شئ اتفق أن يكون هكذا فما منعه أن يقول مثل هذا في دولاب تراه يدور ويسقي حديقة فيها شجر ونبات، فترى كل شئ من آلته مقدرا بعضه يلقى بعضا على ما فيه صلاح تلك الحديقة وما فيها وبم كان يثبت هذا القول لو قاله؟ وما ترى الناس كانوا قائلين له لو سمعوه منه؟
فينكر أن يقول في دولاب خشب (1) مصنوع بحيلة قصيرة لمصلحة قطعة من الأرض أنه كان بلا صانع ومقدر، ويقدر أن يقول في هذا الدولاب الأعظم المخلوق بحكمة يقصر عنها أذهان البشر لصلاح جميع الأرض وما عليها أنه شئ اتفق أن يكون بلا صنعة ولا تقدير لو اعتل هذا الفلك كما تعتل الآلات التي تتخذ للصناعات وغيرها أي شئ كان عند الناس من الحيلة في إصلاحه.
بيان: قوله عليه السلام (لا تفارق مراكزها) لعل المراد أنه ليس لها حركة بينة ظاهرة كما في السيارات، أولا يختلف نسب بعضها إلى بعض بالقرب والبعد بأن تكون الجملة التالية مفسرة لها، ويحتمل أن يكون المراد بمراكزها البروج التي تنسب إليها على ما هو المصطلح بين العرب من اعتبار محاذاة تلك الاشكال في الانتقال إلى البروج وإن انتقلت عن مواضعها، وعليه ينبغي أن يحمل قوله عليه السلام (وبعضها مطلقة ينتقل في البروج) أو على ما ذكرنا سابقا من كون انتقالها في البروج ظاهرة بينة يعرفه كل أحد، والأول أظهر كما سيظهر من كلامه عليه السلام.
قوله عليه السلام (فإن الاهمال معنى واحد) يحتمل أن يكون المراد أن الطبيعة أو الدهر اللذين يجعلونهما أصحاب الاهمال مؤثرين كل منهما أمر واحد غير ذي شعور وإرادة، ولا يمكن صدور الامرين المختلفين عن مثل ذلك كما مر، أو المراد أن العقل يحكم بأن مثل هذين الامرين المتسقين الجاريين على قانون الحكمة لا يكون إلا من حكيم راعى فيهما دقائق الحكم، أو المراد أن الاهمال أي عدم الحاجة إلى العلة وترجح الامر الممكن من غير مرجح كما تزعمون أمر