وما رووا عنه أنه قال: إذا رأيت هلال شهر رمضان لرؤيته فعد ثلاثمائة وأربعة و خمسين يوما ثم صم في القابل، فإن الله حق السنة ثلاثمائة وستين يوما، فاستثنى منها ستة أيام فيها خلق السماوات والأرض فليست في العدد. فلو صحت الرواية عنه لكان اخباره عن ذلك على أنه أكثري الوجود في بقعة واحدة، لا أنه مطرد في جميع البقاع كما ذكرنا. وأما تعليل الأيام الستة بهذه العلة فتعليل ركيك يكذب الرواية وتبطل له صحتها، وقد قرأت فيما قرأت من الاخبار أن أبا جعفر محمد بن سليمان عامل الكوفة من جهة المنصور حبس عبد الكريم بن أبي العوجاء و هو خال معن بن زائدة وكان من المانوية، فكثر شفعاؤه بمدينة السلام وألحوا على المنصور حتى كتب إلى محمد بالكف عنه، وكان عبد الكريم يتوقع ورود الكتاب في معناه، فقال لأبي الجبار وكان منقطعا إليه: إن أخرني الأمير ثلاثة أيام فله مائة ألف درهم. فأعلم أبو الجبار محمدا فقال: ذكرتنيه وكنت نسيته، فإذا انصرفت من الجمعة فاذكرنيه. فلما انصرف ذكره إياه فدعا به فأمر بضرب عنقه، فلما أيقن أنه مقتول قال: أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحل به الحرام، ولقد فطرتكم في يوم صومكم، وصومتكم في يوم فطركم. ثم ضربت عنقه وورد الكتاب في معناه بعده، وما أحق هذا الرجل الملحد بأن يكون متولي هذا التأويل الذي ذهبوا إليه وأصله (انتهى) وتمام القول فيه في كتاب الصوم.
الفائدة الرابعة: اعلم أن ما ذكروه من أن مدة الشهر القمري تسعة و عشرون يوما واثنتا عشرة ساعة وأربع وأربعون دقيقة إنما هو باعتبار وضع القمر بالنسبة إلى الشمس إلى حصول مثل ذلك الوضع له، فكان قدر مسير الشمس في هذا الزمان منضما إلى قدر دورته من نقطة معينة إليها، واما باعتباره في نفسه فإنه يتم دوره في مدة سبعة وعشرين يوما وثلث يوم، فالتفاوت بين الاعتبارين بيومين وأربع ساعات وأربع وأربعين دقيقة، فلمداره بالاعتبار الأخير حدود ينزل في كل ليلة في أحدها إلى أن يرجع إلى الأول منها، فهي حقيقة اثنان وثمانون منزلا