على العكس باعتبار النصفين مطلقا من غير اعتبار كل يوم وليل بعينه (انتهى) وأقول: هذا المعني إلى الحالية أحوج من الأول وإن كان يستقيم المعنيان بدونهما الثاني ما قيل: إن الجملة الأولى تدل على أن كلا منهما مولج في صاحبه، و الثانية على أن كلا منهما مولج فيه صاحبه، وهذا معنى آخر غير الأول، وهو وإن كان لازما للأول إلا أن التصريح بما علم ضمنا للاهتمام والمبالغة أمر شائع ذائع، خصوصا فيما كان أمرا عظيما فيه قوام العالم ونظامه، فإن الليل والنهار من ضروريات مصالح هذا العالم، وآيتان دالتان على وحدة الله سبحانه وكمال قدرته، ولهذا كرر الله هذا المعنى في كتابه العزيز بلفظ الايلاج وغيره. الثالث أن يكون التكرار للاشعار بتكرر هذا الامر واستمراره، كما يقال لهذا المعنى (يفعل فلان ويفعل، ويعطي ويعطي) وهذا وجه وجيه. الرابع ما قيل: إن دلالة إيلاج كل منهما في صاحبه على إيلاج صاحبه فيه من الخارج لا من اللفظ فإنا إذا علمنا في الخارج أن ليس لليل صاحب إلا النهار ولا للنهار صاحب إلا الليل علمنا من قوله (يولج كل واحد منهما في صاحبه) إيلاج الصاحب أيضا فيه، وأما بالنسبة إلى اللفظ فلا دلالة له أصلا، فإنا إذا قلنا يولج الليل في صاحبه ويولج النهار في صاحبه ولم يعلم من الخارج أن صاحبهما ماذا فلا يعلم إيلاج صاحبه فيه البتة ونحتاج إلى ذكره وترك العطف للاستئناف، أو الحالية المقدرة، والعدول إلى المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي.
(بتقدير منه للعباد) الباء للسببية أو الملابسة والأول أظهر، والتنكير للتفخيم. (فيما يغذوهم به) الظرف متعلق بتقدير، أي جعل الله الخلق والتمييز والايلاج لتقدير عظيم في الشئ الذي يغذوهم به، كما مر أن تعاقب الليل والنهار واختلاف الفصول مما له مدخل عظيم في حصول الأغذية للعباد (وينشئهم عليه) عطف على (يغذوهم) أي له مدخل في نشوئهم ونموهم كما مر ذكره (فخلق لهم الليل) الفاء للترتيب الذكري، وهو عطف المفصل على المجمل (ليسكنوا فيه من حركات التعب ونهضات النصب) الإضافتان من إضافة السبب إلى المسبب، أي