من فوائد الليل أن يسكنوا أي يستقروا ويستريحوا من الحركات الواقعة في النهار لتحصيل المعاش وغيره الموجبة للتعب، والنهضات - بالتحريك -: جمع نهضة - بسكون الهاء - وهي المرة من (نهض ينهض نضا ونهوضا) أي قام، أي القيامات للأمور الشاقة، والترددات البدنية، والاشغال القلبية الواقعة في النهار التي هي سبب النصب - بالتحريك - أي الاعياء والعجز، ويروي (بهظات) بالباء الموحدة والظاء المعجمة (من بهظه الامر أو الحمل) كمنع أي غلبه وثقل عليه، ولعلهما إشارتان إلى قوله تعالى (وجعل الليل سكنا (1)).
(وجعله لباسا ليلبسوا من راحته ومنامه) إشارة إلى قوله تعالى (وجعلنا الليل لباسا (2)) وقد مر تفسيره، وقال الزمخشري، أي يستركم عن العيون إذا أردتم هربا من عدو، أو بياتا له، أو إخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور ويفهم منه معنى آخر وهو أنه تعالى لما جعل الليل سببا لان يلبس العباد لباس الراحة والنوم فكأنه لباس، وشبه الراحة والمنام - وهو مصدر ميمي بمعنى النوم - باللباس، من حيث إن كل واحد منهما يغشاهم ويشتمل عليهم كاللباس كما قال تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف (3)) وإضافة الراحة والمنام إلى ضمير الليل للاختصاص بمعنى اللام، أي الراحة والمنام المختصين بالليل، ويظهر من كلام ابن الحاجب أنه بمعنى (في) وأنكره أكثر المحققين، والظاهر أن من (في) قوله ((من راحته) للتبعيض، لبيان أنه لم يخلق الليل ليصرفوا جميعه في الاستراحة والمنام بل ليستريحوا في بعضه ويعبدوه في بعضه، وقيل (من) للابتداء، لان اللبس يبتدء من جهة الراحة كما قال تعالى (يحلون فيها من أساور من ذهب (4)) بأن يكون (من راحته) صفة لموصوف محذوف يدل عليه (يلبسوا) أي ليلبسوا ثوبا من راحته