مقدار عام أو بعض عام كيف كان يكون حالهم؟ بل كيف كان يكون لهم مع ذلك بقاء؟ أفلا يرى الناس كيف هذه الأمور الجليلة التي لم تكن عندهم فيها حيلة فصار تجري على مجاريها، لا تعتل ولا تتخلف عن مواقيتها لصلاح العالم وما فيه بقاؤه؟
استدل بالقمر ففيه دلالة جليلة (1) تستعملها العامة في معرفة الشهور، ولا يقوم عليه حساب السنة، لان دوره لا يستوفي الأزمنة الأربعة، ونشوء الثمار و وتصرمها، ولذلك صارت شهور القمر وسنوه تتخلف عن شهور الشمس وسنيها، و صار الشهر من شهور القمر ينتقل فيكون مرة بالشتاء ومرة بالصيف. فكر في إنارته في ظلمة الليل والإرب في ذلك، فإنه مع الحاجة إلى الظلمة لهدء الحيوان وبرد الهواء على النبات لم يكن صلاح في أن يكون الليل ظلمة داجية لا ضياء فيها، فلا يمكن فيه شئ من العمل، لأنه ربما احتاج الناس إلى العمل بالليل لضيق الوقت عليهم في تقصي الاعمال بالنهار، أو لشدة الحر وإفراطه، فيعمل (2) في ضوء القمر أعمالا شتى، كحرث الأرض، وضرب اللبن. وقطع الخشب وما أشبه ذلك فجعل ضوء القمر معونة للناس على معايشهم إذا احتاجوا إلى ذلك، وانسا للسائرين وجعل طلوعه في بعض الليل دون بعض، ونقص مع ذلك من نور الشمس وضيائها لكيلا تنبسط الناس في العمل انبساطهم بالنهار، ويمتنعوا من الهدء والقرار، فيهلكهم ذلك، وفي تصرف القمر خاصة في مهله (3) ومحاقه، وزيادته، ونقصانه، وكسوفه من التنبيه على قدرة الله خالقه المصرف له هذا التصريف لصلاح العالم ما يعتبر فيه المعتبرون.
بيان: الدولة بالفتح والضم: انقلاب الزمان، ودالت الأيام: دارت والله يداولها بين الناس. وهدء كمنع هدءا وهدوءا: سكن، ويقال: نكيت في العدو نكاية إذا قتلت فيهم وجرحت، وجثم الانسان والطائر والنعام يجثم جثما