أجمع ويؤديها إلى التلف. وأما النبات فكان يطول عليه حر النهار ووهج الشمس حتى يجف ويحترق، وكذلك الليل لو امتد مقدار هذه المدة كان يعوق أصناف الحيوان عن الحركة والتصرف في طلب المعاش حتى تموت جوعا، وتخمد الحرارة الطبيعية من النبات حتى يعفن ويفسد، كالذي تراه يحدث على النبات إذا كان في موضع لا تطلع عليه الشمس.
اعتبر بهذا الحر والبرد كيف يتعاوران العالم، ويتصرفان هذا التصرف من الزيادة والنقصان والاعتدال لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة، وما فيهما من المصالح، ثم هما بعد دباغ الأبدان التي عليها بقاؤها وفيها صلاحها، فإنه لولا الحر والبرد وتداولهما الأبدان لفسدت وأخوت وانتكثت. فكر في دخول أحدهما على الآخر بهذا التدريج والترسل، فإنك ترى أحدهما ينقص شيئا بعد شئ، والآخر يزيد مثل ذلك حتى ينتهي كل واحد منهما منتهاه في الزيادة و النقصان، ولو كان دخول أحدهما على الآخر مفاجأة لأضر ذلك بالأبدان وأسقمها كما أن أحدكم لو خرج من حمام حار إلى موضع البرودة لضره ذلك وأسقم بدنه، فلم جعل الله عز وجل هذا الرسل (1) في الحر والبرد إلا للسلامة من ضرر المفاجأة؟ ولم جرى الامر على ما فيه السلامة من ضر (2) المفاجأة لولا التدبير في ذلك؟ فإن زعم زاعم أن هذا الترسل في دخول الحر والبرد إنما يكون لابطاء مسير الشمس في الارتفاع والانحطاط سئل عن العلة في إبطاء مسير الشمس في ارتفاعها وانحطاطها، فإن اعتل في الابطاء ببعد ما بين المشرقين سئل عن العلة في ذلك، فلا تزال هذه المسألة ترقى معه إلى حيث رقى من هذا القول حتى استقر على العمد والتدبير. لولا الحر لما كانت الثمار الجاسية المرة تنضج فتلين وتعذب حتى يتفكه بها رطبة ويابسة، ولولا البرد لما كان الزرع يفرخ هكذا ويريع الريع الكثير الذي يتسع للقوت وما يرد في الأرض للبذر، أفلا ترى ما في الحر والبرد