النور والظلمة مع تضادهما منقادين متظاهرين على ما فيه صلاح العالم وقوامه.
ثم فكر بعد هذا في ارتفاع الشمس وانحطاطها لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة وما في ذلك من التدبير والمصلحة، ففي الشتاء تعود الحرارة في الشجر والنبات، فيتولد فيهما مواد الثمار، ويستكثف الهواء، فينشأ منه السحاب والمطر وتشتد أبدان الحيوان وتقوى. وفي الربيع تتحرك وتظهر المواد المتولدة في الشتاء، فيطلع النبات، وتنور الأشجار، ويهيج الحيوان للفساد وفي الصيف يحتدم الهواء، فتنضج الثمار. وتتحلل فضول الأبدان، ويجف وجه الأرض فتهيأ للبناء والاعمال. وفي الخريف يصفو الهواء، ويرتفع الأمراض، وتصح الأبدان ويمتد الليل ويمكن فيه بعض الاعمال لطوله، ويطيب الهواء فيه إلى مصالح أخرى لو تقصيت لذكرها لطال فيها الكلام.
فكر الآن في تنقل الشمس في البروج الاثني عشر لإقامة دور السنة وما في ذلك من التدبير، فهو الدور الذي تصح به الأزمنة الأربعة من السنة: الشتاء، والربيع والصيف، والخريف، ويستوفيها على التمام، وفي هذا المقدار من دوران الشمس تدرك الغلات والثمار. وتنتهي إلى غاياتها، ثم تعود فيستأنف النشوء والنمو، ألا ترى أن السنة مقدار مسير الشمس من الحمل إلى الحمل، فبالسنة وأخواتها يكال الزمان من لدن خلق الله تعالى العالم إلى كل وقت وعصر من غابر الأيام، و بها يحسب الناس الأعمار والأوقات الموقتة للديون والإجارات والمعاملات وغير ذلك من أمورهم، وبمسير الشمس تكمل السنة ويقوم حساب الزمان على الصحة انظر إلى شروقها على العالم كيف دبر أن يكون، فإنها لو كانت تبزغ في موضع من السماء فتقف لا تعدوه لما وصل شعاعها ومنفعتها إلى كثير من الجهات، لان الجبال والجدران كانت تحجبها عنها، فجعلت تطلع في أول النهار من المشرق فتشرق على ما قابلها من وجه المغرب، ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة حتى تنتهي إلى المغرب، فتشرق على ما استتر عنها في أول النهار، فلا يبقى موضع من المواضع إلا أخذ بقسطه من المنفعة منها، والإرب التي قدرت له، ولو تخلفت