مكفوف (1) أي مجموع تجري فيه الكواكب، واحتج بأن السباحة لا تكون إلا في الماء. قلنا: لا نسلم، فإنه يقال للفرس الذي يمد يديه في الجري (سابح) وقال جمهور الفلاسفة وأصحاب الهيئة: إنها أجرام صلبة لا خفيفة ولا ثقيلة غير قابلة للخرق والالتئام والنمو والذبول. والحق أنه لا سبيل إلى معرفة السماوات إلا بالخبر. واختلف الناس في حركات الكواكب، والوجوه الممكنة فيها ثلاثة: فإنه إما أن يكون الفلك ساكنا والكواكب تتحرك فيه، كحركة السمكة في الماء الراكد، وإما أن يكون الفلك متحركا والكواكب تتحرك فيه أيضا، إما مخالفا لجهة حركته أو موافقا لجهته، إما بحركة مساوية لحركة الفلك في السرعة والبطء أو مخالفة، وإما أن يكون الفلك متحركا والكواكب ساكنة، أما الرأي الأول فقالت الفلاسفة إنه باطل لأنه يوجب خرق الفلك (2) وهو محال عندهم وأما الرأي الثاني فحركة الكواكب إن فرضت مخالفة لحركة الفلك فذاك أيضا يوجب الخرق، وإن كانت حركتها إلى جهة حركة الفلك فإن كانت مخالفة لها في السرعة والبطء لزم الانخراق وإن استويا في الجهة والسرعة والبطء فالخرق أيضا لازم لان الكواكب تتحرك بسبب حركته فتبقى حركته الذاتية زائدة فيلزم الخرق فلم يبق إلا القسم الثالث وهو أن يكون الكواكب مغروزا في الفلك واقفا فيه، والفلك يتحرك، فيتحرك الكواكب (3) بسبب حركة الفلك. واعلم أن مدار هذا الكلام على امتناع الخرق على الأفلاك وهو باطل، بل الحق أن الأقسام الثلاثة ممكنة والله تعالى قادر على كل الممكنات، والذي يدل عليه لفظ القرآن أن تكون الأفلاك واقفة والكواكب تكون جارية فيها كما تسبح السمكة في الماء. واحتج (ابن سينا) على أن الكواكب أحياء ناطقة بقوله (يسبحون) فإن الجمع بالواو والنون لا يكون إلا للعقلاء، وبقوله تعالى: (والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)
(١٢٩)