الأول أن يكون المراد من الآيتين نفس الليل والنهار والمعنى أنه تعالى جعلهما دليلين للخلق على مصالح الدين والدنيا، أما في الدين فلان كل واحد منهما مضاد للآخر معاند له (1) فكونهما متعاقبين على الدوام من أقوى الدلائل على أنهما غير موجودين لذاتيهما بل لابد لهما من فاعل يدبرهما ويقدرهما بالمقادير المخصوصة، وأما في الدنيا فلان مصالح الدنيا لا تتم إلا بالليل والنهار، فلولا الليل لما حصل السكون والراحة، ولولا النهار لما حصل الكسب والتصرف في وجوه المعاش، ثم قال تعالى (فمحونا آية الليل) فعلى هذا القول تكون الإضافة للتبيين، والتقدير: فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة. الثاني أن يكون المراد وجعلنا نيري الليل والنهار آيتين يريد الشمس والقمر فمحونا آية الليل وهي القمر، وفي تفسير محوا القمر قولان: الأول المراد منه ما يظهر في القمر من الزيادة والنقصان في النور فيبدو في أول الأمر في صورة الهلال ثم لا يزال يتزايد نوره حتى يصير بدرا كاملا ثم يأخذ في الانتقاص قليلا قليلا وذلك هو المحو إلى أن يعود إلى المحاق، والثاني أن المراد من محو القمر الكلف الذي يظهر في وجهه، يروي أن الشمس والقمر كانا سواء في النور والضوء فأرسل الله جبرئيل فأمر جناحه على وجه القمر فطمس عنه الضوء، ومعنى المحو في اللغة إذهاب الأثر. وأقول: حمل المحو على الوجه الأول أولى لقوله (لتبتغوا فضلا من ربكم الآية) لان المحو إنما يؤثر في ابتغاء فضل الله إذا حملناه على زيادة نور القمر ونقصانه، لان بسبب حصول هذه الحالة تختلف أحوال نور القمر وأهل التجارب بينوا أن اختلاف أحوال القمر في مقادير النور له أثر عظيم في أحوال هذا العالم ومصالحها، مثل أحوال البحار في المد والجزر، ومثل أحوال البحرانات على ما يذكره الأطباء في كتبهم. وأيضا بسبب زيادة نور القمر ونقصانه تحصل الشهور، وبسبب معاودة الشهور تحصل السنون العربية المبتنية على رؤية الأهلة كما قال (ولتعلموا عدد السنين والحساب) وأقول أيضا لو حملنا المحو على
(١٢٤)