وقال الرازي في قوله سبحانه (يطلبه حثيثا): اعلم أنه سبحانه وصف هذه الحركة بالسرعة والشدة، وذلك هو الحق لان تعاقب الليل والنهار إنما يحصل بحركة الفلك الأعظم (1) وتلك الحركة أشد الحركات سرعة وأكملها شدة، حتى أن الباحثين عن أحوال الموجودات قالوا الانسان إذا كان في العدو الشديد الكامل فإلى أن يرفع رجله ويضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف ميل وإذا كان الامر كذلك كانت تلك الحركة في غاية السرعة والشدة، فلهذا السبب قال تعالى (يطلبه حثيثا) ثم قال: في هذه الآية لطائف فالأولى أن الشمس لها نوعان من الحركة:
أحدهما حركتها بحسب ذاتها وهي إنما تتم في سنة كاملة، وبسبب هذه الحركة تحصل السنة، والثاني حركتها بسبب حركة الفلك الأعظم، وهذه الحركة تتم في اليوم بليلته، إذا عرفت هذا فنقول: الليل والنهار لا يحصلان بسبب حركة الشمس بل بحركة السماء الأقصى التي يقال لها العرش، ولهذا السبب لما ذكر العرش بقوله (ثم استوى على العرش) ربط به قوله (يغشي الليل النهار) تنبيها على أن سبب حصول الليل والنهار هو حركة الفلك الأقصى لا حركة الشمس و القمر.
والثانية: أنه تعالى لما شرح كيفية تخليق السماوات قال (فقضيهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها) فدلت تلك الآلة على أنه سبحانه خص كل ذلك بلطيفة نورانية ربانية من عالم الامر، ثم قال بعده (ألا له الخلق والامر) وهو إشارة إلى أن كل ما سوى الله إما من عالم الخلق أو من عالم الامر، أما الذي هو من عالم الخلق فالخلق عبارة عن التقدير وكل ما كان جسما أو جسمانيا كان مخصوصا بمقدار معين فكان من عالم الخلق، وكل ما كان بريئا عن الحجمية والمقدار كان من عالم الأرواح ومن عالم الامر، فدل على أنه سبحانه خص كل واحد من أجرام الأفلاك والكواكب التي هي من عالم الخلق بملك