إلى ذلك سبيل فلا تشغل نفسك، فإني لا أدعك تغير شيئا، قال: فأخرجته حافيا حاسرا في قميصه ومنديله، وكان قد جاوز عليه السلام السبعين.
فلما مضى بعض الطريق، ضعف الشيخ فرحمته فقلت له: اركب، فركب بغل شاكري (1) كان معنا، ثم صرنا إلى الربيع فسمعته وهو يقول له: ويلك يا ربيع قد أبطأ الرجل، وجعل يستحثه استحثاثا شديدا، فلما أن وقعت عين الربيع على جعفر بن محمد وهو بتلك الحال بكى.
وكان الربيع يتشيع فقال له جعفر عليه السلام يا ربيع أنا أعلم ميلك إلينا، فدعني أصلي ركعتين وأدعو قال: شأنك وما تشاء، فصلى ركعتين خففهما ثم دعا بعدهما بدعاء لم أفهمه، إلا أنه دعاء طويل، والمنصور في ذلك كله يستحث الربيع، فلما فرغ من دعائه على طوله، أخذ الربيع بذراعيه فأدخله على المنصور. فلما صار في صحن الإيوان، وقف ثم حرك شفتيه بشئ، لم أدر ما هو، ثم أدخلته فوقف بين يديه، فلما نظر إليه قال: وأنت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك، وافسادك على أهل هذا البيت من بني العباس، وما يزيدك الله بذلك إلا شدة حسد ونكد، ما تبلغ به ما تقدره.
فقال له: والله يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا من هذا ولقد كنت في ولاية بني أمية، وأنت تعلم أنهم أعدى الخلق لنا ولكم، وأنهم لا حق لهم في هذا الامر فوالله ما بغيت عليهم، ولا بلغهم عني سوء، مع جفاهم الذي كان بي، وكيف يا أمير المؤمنين أصنع الآن هذا؟ وأنت ابن عمي وأمس الخلق بي رحما، وأكثرهم عطاء وبرا، فكيف أفعل هذا؟! فأطرق المنصور ساعة، وكان على لبد (2) وعن يساره مرفقة جرمقانية، وتحت لبده سيف ذو فقار، كان لا يفارقه إذا قعد في القبة قال:
أبطلت وأثمت، ثم رفع ثني الوسادة فأخرج منها إضبارة كتب، فرمى بها إليه وقال: هذه كتبك إلى أهل خراسان تدعوهم إلى نقض بيعتي، وأن يبايعوك دوني