الكندي عدو الله المال، وقلب على الحسن، وصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.
فبلغ ذلك الحسن عليه السلام فقام خطيبا وقال: هذا الكندي توجه إلى معاوية وغدر بي وبكم، وقد أخبرتكم مرة بعد مرة أنه لا وفاء لكم، أنتم عبيد الدنيا: وأنا موجه رجلا آخر مكانه، وإني أعلم أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه، ولا يراقب الله في ولا فيكم، فبعث إليه رجلا من مراد في أربعة آلاف، وتقدم إليه بمشهد من الناس، وتوكد عليه وأخبره أنه سيغدر كما غدر الكندي فحلف له بالأيمان التي لا تقوم لها الجبال: أنه لا يفعل. فقال الحسن: إنه سيغدر.
فلما توجه إلى الأنبار، أرسل معاوية إليه رسلا وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه، وبعث إليه بخمسة آلاف درهم، ومناه أي ولاية أحب من كور الشام والجزيرة، فقلب على الحسن، وأخذ طريقه إلى معاوية، ولم يحفظ ما أخذ عليه من العهود، وبلغ الحسن ما فعل المرادي فقام خطيبا فقال: قد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنكم لا تفون لله بعهود، وهذا صاحبكم المرادي غدر بي وبكم، وصار إلى معاوية.
ثم كتب معاوية إلى الحسن: يا ابن عم، لا تقطع الرحم الذي بينك وبيني فان الناس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك.
فقالوا: إن خانك الرجلان وغدروا بك فانا مناصحون لك، فقال لهم الحسن:
لأعودن هذه المرة فيما بيني وبينكم، وإني لأعلم أنكم غادرون ما بيني وبينكم إن معسكري بالنخيلة فوافوني هناك، والله لا تفون لي بعهدي، ولتنقضن الميثاق بيني وبينكم.
ثم إن الحسن أخذ طريق النخيلة، فعسكر عشرة أيام، فلم يحضره إلا أربعة آلاف، فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر وقال: يا عجبا من قوم لا حياء لهم ولا دين، ولو سلمت له الأمر فأيم الله لا ترون فرجا أبدا مع بني أمية، والله ليسومونكم سوء العذاب حتى تتمنوا أن عليكم جيشا جيشا ولو وجدت أعوانا