قال، فبقت إلى يوم الناس هذا وقد اصفرت لطول زمنها وهذه أرض كرب وبلاء.
ثم قال بأعلا صوته: يا رب عيسى بن مريم! لا تبارك في قتلته، والمعين عليه والخاذل له.
ثم بكى بكاء طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا ثم أفاق فأخذ البعر فصره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك ثم قال: يا ابن عباس إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا، ويسيل منها دم عبيط، فاعلم أن أبا عبد الله قد قتل بها، ودفن.
قال ابن عباس: فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لبعض ما افترض الله عز وجل علي وأنا لا أحلها من طرف كمي فبينما أنا نائم في البيت إذا انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا، وكان كمي قد امتلأ دما عبيطا، فجلست وأنا باك وقلت قد قتل والله الحسين، والله ما كذبني علي قط في حديث حدثني ولا أخبرني بشئ قط أنه يكون إلا كان كذلك لأن رسول الله كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره.
ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين ثم طلعت الشمس ورأيت كأنها منكسفة، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط، فجلست وأنا باك فقلت: قد قتل والله الحسين، وسمعت صوتا من ناحية البيت وهو يقول:
اصبروا آل الرسول * قتل الفرخ النحول (1) نزل الروح الأمين ببكاء وعويل ثم بكى بأعلا صوته وبكيت فأثبت عندي تلك الساعة وكان شهر المحرم يوم عاشورا لعشر مضين منه، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه، فقالوا: والله لقد سمعنا ما سمعت