فصار الحق في ذلك الزمان عندهم باطلا والباطل حقا، والكذب صدقا والصدق كذبا.
فلما ما مات الحسن بن علي عليهما السلام ازداد البلاء والفتنة فلم يبق لله ولي إلا خائف على نفسه، أو مقتول أو طريد أو شريد.
فلما كان قبل موت معاوية بسنتين حج الحسين بن علي عليهما السلام وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس معه، وقد جمع الحسين بن علي عليهما السلام بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم من حج منهم ومن لم يحج، ومن بالأمصار ممن يعرفونه وأهل بيته، ثم لم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن أبنائهم والتابعين ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلا جمعهم فاجتمع إليهم بمنى أكثر من ألف رجل، والحسين بن علي عليهما السلام في سرادقه عامتهم التابعون وأبناء الصحابة.
فقام الحسين عليه السلام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فان هذا الطاغية، قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم، ورأيتهم، وشهدتم، وبلغكم.
وإني أريد أن أسألكم عن أشياء فان صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبوني اسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم، من أمنتم ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، فاني أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
فما ترك الحسين عليه السلام شيئا أنزل الله فيهم من القرآن إلا قاله وفسره، ولا شيئا قاله الرسول صلى الله عليه وآله في أبيه وأمه وأهل بيته إلا رواه، وكل ذلك يقول الصحابة: اللهم نعم قد سمعناه شهدناه، ويقول التابعون: اللهم قد حدثناه من نصدقه ونأتمنه، حتى لم يترك شيئا إلا قاله.
ثم قال: أنشدكم بالله إلا رجعتم وحدثتم به من تثقون به، ثم نزل وتفرق الناس عن ذلك (1).