القوم حتى انتهى إلي، فقلت: أنا محمد بن علي بن الحسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الاعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحبا بك يا ابن أخي، سل عما شئت، فسألته وهو أعمى، وحضر وقت الصلاة فقام في النساجة ملتحفا بها، كلما وضعها على منكبه رجع طرفها (1) إليه من صغرها، ورداؤه على المشجب (2) فصلى بنا، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال بيده فعقد تسعا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله حاج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وآله ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى إذا أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي، فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتين في المسجد، ثم ركب القصواء حتى استوت (3) ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، و عن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن (4) وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شئ عملنا به، فأهل بالتوحيد " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " وأهل الناس بهذا الذي يهلون، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا (5) منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وآله تلبيته.
قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف المعمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (6) " فصلى فجعل المقام بينه وبين البيت.