إليك من ربك " يعني في استخلاف علي عليه السلام والنص بالإمامة عليه " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس (1) " فأكد الفرض عليه بذلك وخوفه من تأخير الامر فيه، وضمن له العصمة ومنع الناس منه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله المكان الذي ذكرناه، لما وصفناه من الامر له بذلك وشرحناه، ونزل المسلمون حوله، وكان يوما قايظا شديد الحر، فأمر عليه السلام بدوحات (2) فقم ما تحتها وأمر بجمع الرحال في ذلك المكان، ووضع بعضها فوق بعض، ثم أمر مناديه فنادى في الناس: " الصلاة جامعة " فاجتمعوا من رحالهم إليه وإن أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدة الرمضاء (3) فلما اجتمعوا صعد على تلك الرحال حتى صار في ذروتها، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فرقى معه حتى قام عن يمينه، ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ في الموعظة، ونعى إلى الأمة نفسه، وقال:
" قد دعيت (4) ويوشك أن أجيب وقدحان مني خفوق من بين أظهركم وإني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي (5): كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما (6) لن يفترقا حتى يردا على الحوض " ثم نادى بأعلى صوته: " ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ (7) " قالوا: اللهم بلى، فقال لهم على النسق من غير فصل وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين (8) عليه السلام فرفعهما حتى بان بياض إبطيهما: (9) " فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله " ثم نزل صلى الله عليه وآله وكان وقت الظهيرة فصلى ركعتين ثم زالت الشمس فأذن مؤذنه لصلاة الظهر (10) فصلى بهم الظهر وجلس عليه السلام في خيمته وأمر عليا عليه السلام أن يجلس في خيمة له بإزائه، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجا فوجا فيهنؤه