منهم كعب بن مالك الشاعر، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية الرافقي (1) فلما تاب الله عليهم قال كعب: ما كنت قط أقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج (2) رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تبوك، وما اجتمعت لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم، فكنت أقول: أخرج غدا، أخرج بعد غد، فاني مقوي (3) وتوانيت وبقيت بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله أياما أدخل السوق ولا أقضي (4) حاجة، فلقيت هلال بن أمية ومرارة ابن الربيع وقد كانا تخلفا أيضا (5) فتوافقنا أن نبكر إلى السوق، فلم تقض لنا حاجة (6) فما زلنا نقول: نخرج غدا وبعد غد حتى بلغنا إقبال رسول الله صلى الله عليه وآله فندمنا، فلما وافى رسول الله صلى الله عليه وآله استقبلناه نهنيه بالسلامة فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام، وأعرض عنا، وسلمنا على إخواننا فلم يردوا علينا السلام، فبلغ ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا، وكنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا أحد، ولا يكلمنا فجئن نساؤنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلن: قد بلغنا سخطك على أزواجنا، أفنعتزلهم؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تعتزلنهم، ولكن لا يقربونكن، فلما رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حل بهم قال: ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله صلى الله عليه وآله ولا إخواننا ولا أهلونا؟ (7) فهلموا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت، فخرجوا إلى ذناب (8) جبل بالمدينة، فكانوا يصومون، وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية، ثم يولون عنهم فلا يكلمونهم (9) فبقوا على هذا (10) أياما كثيرة يبكون الليل (11) والنهار، ويدعون الله أن يغفر لهم، فلما