وقال السيد المرتضى رضي الله عنه في الغرر والدرر: فيه وجوه أولها أن يريد بذلك أنه تعالى يحول بين المرء وبين الانتفاع بقلبه بالموت وهذا حث منه عز وجل على الطاعات والمبادرة لها قبل الفوت.
وثانيها أنه يحول بين المرء وقلبه بإزالة عقله وإبطال تميزه وإن كان حيا، وقد يقال لمن فقد عقله وسلب تمييزه: إنه بغير قلب، قال تعالى: " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ". (1) وثالثها أن يكون المعنى المبالغة في الاخبار عن قربه من عباده وعلمه بما يبطنون ويخفون وأن الضمائر المكنونة له ظاهرة، والخفايا المستورة لعلمه بادية، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى: " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " (2) ونحن نعلم أنه تعالى لم يرد قرب المسافة بل المعنى الذي ذكرناه، وإذا كان جل وعز هو أعلم بما في قلوبنا منا وكان ما نعلمه أيضا يجوز أن ننساه ونسهو عنه ونضل عن علمه، وكل ذلك لا يجوز عليه جاز أن يقول أنه يحول بيننا وبين قلوبنا لأنه معلوم في الشاهد أن كل شئ يحول بين شيئين فهو أقرب إليهما، (3) والعرب تضع كثيرا لفظة القرب على غير معنى المسافة، فيقول: فلان أقرب إلى قلبي من فلان.
ورابعها ما أجاب به بعضهم من أن المؤمنين كانوا يفكرون في كثرة عدوهم وقلة عددهم فيدخل قلوبهم الخوف فأعلمهم تعالى أنه يحول بين المرء وقلبه بأن يبد له بالخوف الامن، ويبدل عدوهم بظنهم أنهم قادرون عليهم الجبن والخور. (4) ويمكن في الآية وجه خامس وهو أن يكون المراد أنه تعالى يحول بين المرء وبين ما يدعوه إليه قلبه من القبائح بالأمر والنهي والوعد والوعيد انتهى.
أقول: يمكن أن تكون الحيلولة بالهدايات والالطاف الخاصة زائدا على