كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، فانصرف خارجا من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه وادفع الناس عني يمينا وشمالا، حتى ظن بي الاختلاط [في العقل] (1) والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتى انقطع عن الناس، فكنت أسرع المشي خلفه وهو يمشي على تؤدة (2) ولا ادركه.
فلما حصل [بحيث] (3) لا أحد يراه غيري وقف والتفت إلي فقال:
([هات] (4) ما معك)، فناولته الرقعة.
فقال من غير أن ينظر فيها: (قل له: لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لا بد منه بعد ثلاثين سنة).
قال: فوقع علي الزمع (5) حتى لم أطق حراكا، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة، فلما كان سنة تسع وستين اعتل أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك فقيل له: ما هذا الخوف؟
ونرجو أن يتفضل الله تعالى بالسلامة، فما عليك مخوفة.
فقال: هذه السنة التي خوفت فيها، فمات في علته. (6)