قال الأصبغ بن نباته: وكنت ممن (1) دخل، فجعل الحارث يتأود في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه وكان مريضا، فأقبل عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت له منه منزلة.
فقال: كيف تجدك يا حار؟ قال: نال الدهر مني يا أمير المؤمنين وزادني أوارا وغليلا إختصام أصحابك ببابك.
فقال (2) (عليه السلام): وفيم خصومتهم؟
قال: في شأنك، والبلية من قبلك; فمن مفرط غال، ومبغض قال، ومن متردد مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم؟
قال: فحسبك يا أخا همدان [- أي كفاك هذا القول -]، ألا خير شيعتنا النمط الأوسط; إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي.
قال: لو كشفت - فداك أبي وامي - الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا.
فقال (3) (عليه السلام): قدك فإنك امرء ملبوس عليك، إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق [والآية العلامة] فاعرف الحق تعرف أهله.
يا حار! إن الحق أحسن الحديث، والصادع به (4) مجاهد، وبالحق أخبرك، فارعني سمعك، ثم خبر به من كانت له حصاة من أصحابك. ألا إني عبد الله وأخو رسوله وصديقه الأول; صدقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صديقه الأول في امتكم حقا; فنحن الأولون، ونحن الآخرون، ألا وأنا خاصته - يا حار - وخالصته وصنوه ووصيه ووليه وصاحب نجواه وسره، اوتيت فهم الكتاب وفصل الخطاب وعلم القرون والأسباب، واستودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب، يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد، وايدت - أو قال: وامددت - بليلة القدر نفلا، وإن ذلك ليجري لي ولمن استحفظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها.