ورأبت قلوبا نغلة 1، فدع عنك ما يسبق إلى القلوب انكاره، وإن كان عندك ما يبين اعتذاره.
ثم اعلم أن لكل شئ صورة، وصورة الانسان العقل، وصورة العقل الأدب، والأدب ادبان: طباعي ومرتاضي، فأفضلها أدب الله جل جلاله، ومن أدب الله سبحانه وحكمته أن يرى لسلطانه حق ليس لشئ من خلقه، لأنه الحبل بين الله وبين عباده، والسلطان اثنان: سلطان ملكة وقهر، وسلطان حكمة وشرع، فاعلاهما فوقا سلطان الحكمة قد ترى يا هذا ان الله عز وجل قد صنع لنا حتى جعلنا حكاما وقواما على ملوك ملتنا من بعدهم من حشوتهم 2 واطرافهم، فاعرف لذي الحق حقه، أيها المرء وخلاك ذم 3 ثم قال: وذكرت أخا قريش وما جاء به من الآيات والنذر، فأطلت وأعرضت ولقد برزت، فنحن بمحمد وبه جدا موقنون، شهدت لقد انتظمت له الآيات والبينات، سالفها وآنفها، الا انه هي اشفاها 4 وأشرفها، وإنما مثلها فيما جاء به كمثل الرأس للجسد، فما حال جسد لا رأس له، فأمهل رويدا، نتجسس الاخبار ونعتبر الآثار ولنستشف ما ألفينا مما افضى إلينا، فان انسنا الآية الجامعة لديه، فنحن إليه أسرع وله أطوع، والا فاعلم ما نذكر به النبوة والسفارة عن الرب الذي لا تفاوت في أمره ولا تغاير في حكمه.
قال له حارثة: قد ناديت فأسمعت، وفزعت فصدعت، وسمعت وأطعت، فما هذه الآية التي أوحش بعد الأنسة فقدها، واعقب الشك بعد البينة عدمها، وقال له العاقب: قد اثلجك أبو قرة بها فذهبت عنها في غير مذهب وجاورتها فأطلت في غير ما طائل وحاورتنا 5، قال حارثة، إلى ذلك فجلها الان لي فداك إلى وأمي.