ويحسن أن يكون على الانسان إن كان مطيعا لربه أثر ما وهبه من المسكن وأعطاه فيه من الاحسان، كما لو اشترى دارا يحتاج إليه، أو وهبه سلطان مساكن كان مضطرا إليها، أو كما لو بنى هو دارا بالتعب والعناء ومقاساة الذرجارية 1 والبناء، أو يكون مسرورا على أقل الصفات، كما لو حصل له دار عارية أو جارة هو محتاج إليها في تلك الأوقات.
فاما ان خلى قلبه بالكلية من معرفة هذه النعم الإلهية، فكأنه كالميت الذي لا يحسن بما فيه، أو كالأعمى الذي لا ينظر إلى المواهب التي فضله ممن يراعيه، أو كالأصم الذي لا يسمع من يناديه، وليبك على فقدان فوائد قلبه وعقله ويتوب.
فصل (15) فيما نذكره مما يختم به ذلك اليوم اعلم أن كل يوم سعيد وفصل جديد ينبغي أن يكون خاتمته على العبيد، كما لو بسط ملك لعباده بساط ضيافة يليق بارفاده وقدم إليهم موائد اسعاده، ثم جلسوا على فراش اكرامه، فأكلوا ما احتاجوا إليه من طعامه، وقاموا عن البساط ليطوى إلى سنة أخرى.
فلا يليق بعبد يعرف قدر تلك النعمة الكبرى الا ان يراه سلطانه لانعامه شاكرا ولاكرامه ذاكرا، ولفضائل مقامه ناشرا، على أفضل العبودية للجلالة الإلهية، ويجعل آخر ذلك النهار كل الملاطفة للمظلع على الاسرار، ان يقبل منه ما عمله، ويبلغه من مراحمه ومكارم أمله، ويطيع في طاعته أجله.
فإنه يوشك إذا اجتهد العبد في لزوم الأدب لكل يوم سعيد ان يؤهله الله تعالى للمزيد: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد.) 2