باب في مقالات من يقول بصحة النبوة منهم على الظاهر، ومن لا يقول والكلام عليهما.
من الفلاسفة من يقول - لمجاملة أهل الاسلام -: إن الطريق إلى معرفة صدق المدعي للنبوة هو أن يعلم أن ما أتى به مطابق لما يصلحون به في دنياهم، ولأغراضهم التي بسببها يحتاجون إلى النبي صلى الله عليه وآله ولم يشترطوا ظهور معجزة عليه، وذكر بعضهم ظهور المعجز عليه.
ثم قال: إن ظهور المعجز عليه، وقلب العصا حية، لا يوصل إلى العلم اليقيني أنه صادق لأنه يمكن أن يظن في المعجز أنه سحر، وأنه حيلة نحو انشقاق القمر.
فأما إذا علم مطابقة ما أتى به لمصالحهم الدنياوية فهو طريق لا يدخله الشبهة، ومن قال بهذا قال في العلم بصدقه للمعجز فهو طريق العوام والمتكلمين.
وأما العلم بمطابقة شرعه للمصالح الدنياوية فهو طريقة المحققين.
وقد حكي عنهم أنهم قالوا: إن صدق المدعي لصنعة من الصنائع إنما يظهر إذا أتى بتلك الصنعة التي ادعى العلم بها.
ومثله على الناقل بمن ادعى حفظ القرآن [ثم قرأ، وادعى آخر حفظ القرآن فإذا قيل له: ما دليلك على أنك تحفظ القرآن؟ قال: دليلي أني اقلب العصا حية وأشق القمر نصفين. ثم فعلهما، ومن ادعى حفظ القرآن] (1).
فإذا قيل له: ما دليلك على حفظك له؟ قرأه كله، فان علمنا بحفظ هذا القاري يكون أقوى من علمنا بحفظ الثاني للقرآن، لأنه يشتبه الحال في معجزاته، فيظن أنه من باب السحر أو أنه طلسم، ولا تدخل الشبهة في حفظ القاري للقرآن.