فلما لم يكن لهذا أثر عندهم ولا خبر لكونه، بطل أن يكون له كون ووجود ولو كان فكيف قدر الرسل وأوصياؤهم عليه، مع فقرهم وعجزهم في الدنيا وما فيها ويكون معروف المنشأ، ولم يغب عنهم طويلا.
فصل ثم إن النبي صلى الله عليه وآله لما دعا الشجرة - وكذا وصي من أوصيائه - ثم ردها إلى مكانها، فان جذبها بشئ وردها بلا شئ، كان ردها آية عظيمة.
وإن كان شئ كان معه فذلك محال، من قبل أن ذلك الشئ يضاد ما جذبها.
فإذا كان الجذب به فامساكها وردها لم يجب أن يكون به، أو معه ما يرد به لأنه يوجب أن تكون مقبلة مدبرة، وذلك محال.
ولان الحجر لو كان معه كما قالوا، لكان فيه آية، لأنه ليس في العالم مثله فهو خارج عن العرف كخروج مجئ الشجرة بدعائه.
وقد أنبع الله لموسى من الحجر الماء فانبجست من الحجر اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين، والحجارة يتفجر منها الأنهار، فلما كان حجر موسى خارجا عن العادة التي في العالم كان آية، فكذلك لو كان جذب حجر الشجرة لكان خارجا عن عادات الناس، فكان دليلا على نبوته.
وليس في الحيل ما يمكن به نقل الجبال والمدن.
وأما قولهم: إن المقرين بمعجزات الرسل لم يمتحنوا قوى الخلق. إلى آخره.
فإنه يقال لهم: ولم يمتحن أحد من الجاحدين للرسل طبائع العالم، ولا عرفوا ما فيه، فيعلموا أن جميع حيوانه يموت بحقله، ولا أن حيوانا لا يموت، يبقى على الدهر أبدا لا يتغير، ولعل في العالم نارا لا تحرق، إذ لو كان لم يمتحن قوى العالم، ولا أحاط علمه بخواصه وسرائره لزمه قلب أكثر الحقائق وبطلانها.