فصل يقال لهؤلاء: وبماذا علمتم مطابقة ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله من الشرائع للمصالح - ونفرض الكلام في شريعة نبينا صلى الله عليه وآله لأنكم ونحن نصدقه في النبوة وصحة شرعه - أبطريقة عقلية علمتم المطابقة؟ أم بطريقة سمعية؟
فان قالوا: بطريقة عقلية. قيل لهم إن من جملة ما أتى به من الشرائع وجوب الصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، ووجوب أفعال الحج، فما تلك الطريقة التي علمتم بها مطابقتها للمصلحة؟ أظفرتم بجهة وجوب لها في العقل فحكمتم لذلك بوجوبها؟ أم ظفرتم بحكم في العقل يدل على وجوبها؟ نحو أن يقول: علمنا من جهة العقل أن من لم يصل هذه الصلوات بشروطها في أوقاتها فإنه يستحق الذم من العقلاء كما يستحق الذم من لم يرد الوديعة على صاحبها، بعد ما طولب بردها ولا عذر له في الامتناع عن ذلك.
والقول به باطل، لأنا لا نجد في عقول العقلاء العلم بجهة وجوب شهر رمضان دون العيدين وأيام التشريق على وجه، ولا نجد لصلاة الظهر على شروطها بعد الزوال جهة تقتضي وجوبها في ذلك الوقت دون ما قبله.
وقالوا: إن في أفعال الحج مثل أفعال المجانين.
وقالوا في وجوب غسل الجنابة: إنه سفه، وشبهوه بمن نجس طرف من أطراف ثوبه فأوجب غسله كله فإنه يعد سفيها.
وقالوا في المحرمات الشرعية - كشرب الخمر أو الزنا -: إنه ظلم، إلى غير ذلك مما يقوله القائلون بالإباحة وغيرها، فكيف يمكن أن يدعى أنه يمكن الوصول إلى معرفة وجوبها أو قبحها بطريقة عقلية، ولا يمكن أن يعرف تلك المصالح بقول النبي إلا بعد العلم بصدقه من جهة المعجز؟!
فصح أنه لا طريق إلى العلم بذلك إلا من جهة المعجز.