الإصابة بها مكانها، ما تتأكد الشبهة، وتعظم المحنة، ويرتفع الطريق إلى إصابة الحق لان الناظر إذا رأى جل أصحاب الفصاحة وأكثرهم يدعي وقوع المعارضة والمكافأة والمماثلة، وقوما منهم كلهم ينكر ذلك ويدفعه، كان أحسن حاله أن يشك في القولين، ويجوز في كل واحد منهما الصدق والكذب.
فأي شئ يبقى من المعجز بعد هذا؟ والاعجاز لا يتم إلا بالقطع على تعذر المعارضة على القوم، وقصورهم عن المعارضة والمقاربة، والتعذر لا يحصل (1) إلا بعد حصول العلم بأن المعارضة لم تقع، مع توفر الدواعي وقوة الأسباب، فكانت حينئذ لا تقع الاستجابة من عاقل، ولا المؤازرة من متدين.
فصل وليس يحجز العرب عما ذكرناه ورع ولا حياء، لأنا وجدناهم لم يراعوهما و لم يرعووا عن السب والهجاء، ولم يستحيوا من القذف والافتراء، وليس في ذلك ما يكون حجة ولا شبهة، بل هو كاشف عن شدة عداوتهم، وأن الحيرة قد بلغت بهم إلى استحسان القبيح الذي كانت نفوسهم تأباه، وأخرجهم ضيق الخناق إلى أن أحضر أحدهم أخبار رستم واسفنديار، وجعل يقص بها ويوهم الناس أنه قد عارض، وأن المطلوب بالتحدي هو القصص والاخبار وليس يبلغ بهم الامر إلى هذا، وهم متمكنون مما يرفع الشبهة، فيعدلوا عنه مختارين.
وأخلاقهم وإن وقرت، فان الحال التي دفعوا إليها، حال تصغر الكبير، ومن أشرف على الهوان بعد العزة جف علمه، وغرب غلمه، وأقدم على ما لم يكن يقدم عليه.
وليس يمكن لاحد أن يدعي أن ذلك مما لم يهتد إليه العرب، وأنه لو اتفق خطوره ببالهم لفعلوه، غير أنه لم يتفق، لأنهم كانوا من الفطنة واللبابة على ما لا يخفى عليهم معه أنفذ الكيدين فضلا عن أن يدفعوا عن الحيلة وهي بادئة هذا مع صدق الحاجة وفوتها، والحاجة تفتق الحيل (2).
وهب لم يفطنوا لذلك بالبديهة، كيف لم يقعوا عليه مع التغلغل (3)؟ وكيف لم يتفق