فصل فان قيل: فهلا كانت ألفاظ القرآن بكليتها مؤلفة من مثل الألفاظ الوجيزة (1) التي إذا وقعت في الكلام زادته حسنا، ليكون كلام الله على النظم الأحسن الأفضل إذ كان لا يعجزه شئ عن بلوغ الغاية، كما يعجز الخلق عن ذلك؟
الجواب: قلنا: إن هذا يعود إلى أنه كيف لم ترتفع أسباب التفاضل بين الأشياء حتى تكون كلها كشئ واحد متشابه الاجزاء والابعاض؟ وكيف فضل بعض الملائكة على بعض؟ ومتى كان كذلك، لم يوجد اختلاف بين الأشياء، يعرف به الشئ وضده.
على أنه لو كان كلام الله كما ذكر، لخرج في صورة المعمى (2) الذي لا يوجد له لذة البسط والشرح، ولو كان مبسوطا لم تبق (3) فضيلة الراسخين في العلم على من سواهم.
ثم أنه تعالى حكيم علم أن (4) إلطاف المبعوث إليهم إنما هو في النمط الذي أنزله فلو كان على تركيب آخر، لم يكن لطفا لهم.
فصل ثم لنذكر وجها آخر للصرفة، وهو (5) أن الامر لو كان بخلافه، وكان تعذر المعارضة المبتغاة والعدول عنها لعلمهم بفضله على سائر كلامهم في الفصاحة، وتجاوزه له في الجزالة، لوجب أن يقع منهم معارضة على كل حال.