لان العرب الذين خوطبوا بالتحدي والتقريع، ووجهوا بالتعنيف والتبكيت (1) كانوا متى (3) أضافوا فصاحة القرآن إلى فصاحتهم، وقاسوا بكلامهم كلامه، علموا أن المزية بينهما إنما تظهر لهم دون غيرهم.
فمن نقص عن طريقتهم (3)، ونزل عن درجتهم، دون الناس أجمعين، ممن لا يعرف الفصاحة، ولا يأنس بالعربية، وكان ما عليه دون المعرفة لفصيح الكلام من أهل زماننا ممن (4) خفي الفرق عليهم بين مواضع من القرآن وبين فقرات العرب البديعة، وكلمهم الغريبة (5).
فأي شئ أقعد بهم عن أن يعتمدوا إلى بعض أشعارهم الفصيحة، وألفاظهم المنثورة، فيقابلوه، ويدعوا أنه مماثل لفصاحته أو أزيد عليها؟ لا سيما وخصمنا في (6) هذه الطريقة يدعي أن التحدي وقع بالفصاحة دون النظم وغيره من المعاني المدعاة في هذا الموضع.
فسواء حصلت المعارضة بمنظوم الكلام أو بمنثوره، فمن هذا الذي كان يكون الحكم في هذه الدعوى؟ وفي جماعة الفصحاء أو جمهورهم كانوا أعداء (7) رسول الله صلى الله عليه وآله ومن أهل الخلاف عليه، والرد لدعوته، والصدود عن محجته (8) لا سيما في بدو الامر وأوله، وقبل استقرار الحجة، وظهور الدعوة، وكثرة عدد الموافقين وتظافر الأنصار والمهاجرين.
ولا يعمل إلا على أن هذه الدعوى لو حصلت لردها بالتكذيب من كان في حرب النبي صلى الله عليه وآله من الفصحاء. لكن كان اللبس يحصل والشبهة تقع لكل من لم يساو هؤلاء في المعرفة من المستجيبين للدعوة والمنحرفين عنها من العرب.
ثم لطوائف الناس جميعا - كالفرس والروم والترك ومن ماثلهم ممن لاحظ له في العربية - عند تقابل الدعاوي في وقوع المعارضة موقعها، وتعارض الأقوال في