وتعالى مما أعد الله له يوم القيامة فيختار التواضع لربه عز وجل وما سئل شيئا قط فيقول: لا، إن كان أعطى، وإن لم يكن قال: يكون، وما أعطى على الله شيئا قط إلا سلم ذلك إليه حتى أن كان ليعطي الرجل الجنة فيسلم الله ذلك له، ثم تناولني بيده وقال: وإن كان صاحبكم ليجلس جلسة العبد ويأكل أكلة العبد ويطعم الناس خبز البر واللحم ويرجع إلى أهله فيأكل الخبز والزيت وإن كان ليشتري القميص السنبلاني ثم يخير غلامه خيرهما، ثم يلبس الباقي فإذا جاز أصابعه قطعة وإذا أجاز كعبه حذفه.
وما ورد عليه أمران قط كلاهما لله رضى إلا أخذ بأشدهما على بدنه ولقد ولي الناس خمس سنين فما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا أقطع قطيعة ولا أورث بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع لأهله بها خادما وما أطاق أحد عمله وإن كان علي بن الحسين (عليهما السلام) لينظر في الكتاب من كتب علي (عليه السلام) فيضرب به الأرض ويقول: من يطيق هذا؟
* الشرح:
(لا والله ما رأته عين وهو يأكل وهو متكئ) فعله (عليه السلام) مع أنه (صلى الله عليه وآله) لم يفعله لبيان الجواز (فقال لا والله ما شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية) هذا متفق عليه بين الأمة، روى مسلم بإسناده أنه «ما شبع رسول الله (قدس سرهما) ثلاثة أيام تباعا من خبر بر حتى مضى لسبيله» وفيه دلالة على أنه شبع من خبز البر دون ثلاثة، ويؤيده ما سيجيء من قوله (صلى الله عليه وآله) «أشبع يوما وأجوع يوما» وبالجملة أمثال هذه الأحاديث دلت على أنه (صلى الله عليه وآله) لم يكن يديم الشبع والترفه بل كان يأكل الخشن ويقتصر من الأكل على ما يقيم الرمق معرضا عن متاع الدنيا مؤثرا ما ينبغي على ما يفني مع إقبال الدنيا عليه ووفورها لديه، وإنما لم يشبع لئلا يشبع هو ويجوع أحد من المسلمين، ولأن في كثرة الأكل مفاسد روحانية وعللا جسمانية، وليست القوة على العبادة والشجاعة من كثرة الأكل كما زعمه بعض الناس وسمعته من بعض عباد البطن وإنما القوة عليهما قوة إلهية وقدرة روحانية، والحكم بأن القوة من كثرة الغذاء من أحكام الوهم، والعقل الخالص يحكم بأن الله تعالى إذا أراد أن يلبس أحدا حلة القوة من غير أن يأكل غذاء أرباب الترفه يلبسها ولا مانع عنه، ألا ترى أن النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) مع كمال اتصافهما بقلة الأكل ونهاية الرياضة كانا أشجع الناس وأعبدهم وقد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى هذا بقوله «وكأني بقائلكم يقول إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان» ثم شبه نفسه الزكية بالشجرة البرية في أنها أشد قوة من الحضرية مع أنه لا شراب لها مثل الحضرية فقال «ألا وأن الشجرة البرية أصلب عودا، والروائع الخضرة أرق جلودا والنباتات العذية أقوى وقودا وأبطأ خمودا» فقد أشار (عليه السلام) إلى أن